يوجّه الأساتذة نقدهم إلى وزارة التربية، ويحاسبونها على الأوضاع المهترئة التي وصلت إليها التربية، وخصوصاً القطاع الرّسمي في لبنان، ويغيب عنهم أن المركز التربوي للبحوث والإنماء، هو شريك الوزارة في القرض والهبة من البنك الدولي، وقيمتهما 204 ملايين دولار أميركي.لا يريد المركز أن يتذكر الأساتذة أن حصته من القرض هي ثلث المبلغ، فيطالبون بوقف الهدر المستشري بين جدرانه منذ سنوات طويلة، واستهلاكه لمواردَ هائلة، المدارس والثانويات والأساتذةُ أولى بها.
رغم إفلاس الدولة، سهّل القرض والهبة استمرار المحاصصة في المركز التربوي، فالمشاريع واللجان الوهميّة أو غير المنتجة لا تزال على قدم وساق. فالرفاه المدرسي مثلاً، لا تزال له لجان ومشاريع، مدفوعة بالدولار الفريش من قرض البنك الدولي، أي ديون إضافيّة على كاهل اللبنانيين، فعن أي رفاه يتحدّثون، والأولاد خارج المدرسة منذ أشهر؟

فساد خيالي!
يتداول أهل المركز التربوي، قصص هدر وفساد تبدو خياليّة، في ظلّ إقفال المدارس الرّسميّة أبوابها منذ 4 أشهر، إذ بلغت على سبيل المثال قيمة رواتب موظفي برنامج S2R2 (مبادرة البنك الدولي لتوفير التعليم لجميع الأطفال) من القرض والهبة، في المركز التربوي، مليون دولار خلال عام 2022! إذ تصل قيمة الفريش إلى 60%، وقد أضاف هؤلاء الموظفون إلى مصاريفهم من القرض والهبة ثمن الطعام الذي كانوا يطلبونه دليفري من أفخم المطاعم!
وقد سافر مسؤولون في المركز عدّة مرات خلال العام الماضي برفقة بعض المستشارين أو الأساتذة الملحقين بالمركز، وبعض هذه الرحلات كان على نفقة القرض أو الهبة للمشاركة في لقاءات دوليّة، منها لقاء حول اختبار البيزا، علماً أنّ المركز التربوي عجز عن إجراء اختبارات البيزا لعدّة سنوات متتابعة!
وفي إحدى هذه الرحلات، لم تقبل إحدى المسؤولات ورفيقها المقرّب من وزير التربية بمقاعد الطائرة والفندق الذي حجزته الجهة الداعية، فلم تتردّد في تعديل الحجوزات على نفقة القرض والهبة، وسافرا درجة أولى، ونزلا في فندق 5 نجوم!
كما تقدّم المسؤولة من أموال القرض والهبة ولائمَ باذخة في المركز التربوي، لاستقبال الضيوف، يتهامس أهل المركز بأنّها تبالغ فيها، لأنّ جزءاً من أطباق هذه الولائم ينتهي في منزلها! وتتصرّف المسؤولة كأنّ المركز التربوي وسيّاراته وسائقيه وميزانيّته منافع شخصيّة لها، فيتقاضى السائقون مبالغ إضافيّة بالفريش دولار على راتبهم من القرض والهبة، بما يوازي 70 دولاراً شهرياً لكل منهم، وهو ما يتخطّى راتب الأستاذ حالياً، لينقلوا المسؤولة مع أولادها في مشاوير خاصّة لا علاقة لها بالعمل، فينقلون مثلاً ابنتها يوم السبت وهو يوم عطلتهم، إلى نشاط الباليه!
والمسؤولة عضو في كلّ اللجان المشكّلة في المركز، تتقاضى أموالاً عنها، إضافة إلى راتبيها من المركز وعملها السابق، علماً أن بعض هذه المبالغ هو من ميزانيّة القرض والهبة، وجزء منها بالدولار الفريش والآخر باللولار. كما يتقاضى 6 رؤساء مكاتب في المركز التربوي مبالغ من القرض والهبة، بالصيغة نفسها، أي جزء بالدولار الفريش، وآخر باللولار عن مجمل مَهامهم!
فهل يعلم وزير التربية، وزير الوصاية على المركز التربوي، هذا كلّه وغيره ويرضى به أو لا يعلم؟

الوزير: هل يعلم؟
يؤكّد أهل المركز التربوي أنّ الوزير يغضّ الطرف عما يحصل، إذ تسهّل المسؤولة المحاصصة، وتحيط نفسها بعدد من المقربين منه يتسلّمون مَهامَّ متعدّدة في إطار تطوير المناهج ويتقاضون عليها بدلات ماليّة مُبالَغاً فيها وخصوصاً في ظلّ الانهيار، إذ تصل بعض رواتب الأساتذة الملحقين بالمركز من هؤلاء إلى 2500 دولار فريش، عدا المبالغ التي يتقاضونها عن عضويّة اللجان المتعدّدة التي يكونون أعضاء فيها.
كذلك تُشكّل لجان جديدة لمهام ومخرجات أُنجزت سابقاً، ويتقاضى أعضاؤها بدلات مالية عن مهام من أجل أن يضيفوا «لا شيء» إلى ما أُنجز ونُشر.
تسهّل عمليّة المحاصصة والهدر هذه، لجنة تنفيذيّة تدير الصرف من القرض والهبة في المركز التربوي، تشكّلت بمن حضر من موظفي المركز التربوي وموظفين على مشروع البنك الدولي في المركز، ليس بينهم شخص واحد لديه شهادة أكاديميّة أو دكتوراه أو خبرة خاصّة بالمدرسة الرّسميّة!
ينسّق مهام اللجنة التنفيذيّة كاهن سابق، يحمل ماجستيراً في موضوع إدارة التنوّع الديني في المدارس الدينيّة، وليس لديه أي خبرة سابقة بتطوير المناهج، ولا بالتحديات التي تواجه المدرسة الرّسميّة، وهو يشغل إضافة إلى تنسيق اللجنة التنفيذيّة مهامَّ متعدّدة منها تنسيق مشروع تطوير المناهج، ونقطة الارتباط focal point بين المركز التربوي والمنظمات الدوليّة والجمعيّات، فكيف يتمكّن من إدارة كلّ ذلك وبأي جودة، على الأقلّ من ناحية الوقت اللازم لهذه المهام؟ ومن أعضاء اللجنة رئيس مكتب الوحدات الفنيّة، وهو شخصّ فنيّ لا علاقة له من قريب أو من بعيد بالتعليم أو المناهج. أما أمينة سرّ اللجنة فهي موظفة في المركز التربوي على مشروع البنك الدولي، وتحمل شهادة في التواصل، ولا علاقة لها أيضاً بالتعليم والمناهج، ويمكن أن نعدّد أعضاء اللجنة فرداً فرداً، فينطبق عليهم هذا الوصف.
وبالرغم من ذلك يضع الوزير فيهم كامل ثقته لقيادة مشروع تطوير المناهج الذي ينتظره اللبنانيون منذ 30 سنة! ويضع بين أيديهم قرضاً وهبة يُقدّر أنّهما يساويان ثلث قيمة القرض والهبة أي حوالي 70 مليون دولار.
يشارك كبار موظفي وزارة التربية أهل المركز التربوي في منافع القرض والهبة، فهم أعضاء في لجان الأوراق العشر التي يعمل عليها المركز التربوي لتستكمل الإطار الوطني للمناهج الذي أطلقه وزير التربية، في كانون الأول الماضي، ويتقاضون عليها مخصّصات ماليّة إضافيّة. وتؤكّد عدّة مصادر أنّ هؤلاء يتقاضون أيضاً مبالغَ مقطوعة من اليونيسف إضافة إلى مسؤولة مكتب الإعداد والتدريب في المركز التربوي.
وفي عهد الوزير الحلبي، جدّد المركز التربوي عقود عمل عدد من الموظفين كان الوزير المجذوب قد رفض التوقيع عليها، فهؤلاء الموظفون لا يحضرون إلى المركز إلا في ما ندر، ولا يقومون بأيّ مهام واضحة، وقد ابتدع لهم المركز، أخيراً، مهامَّ جديدة، فهم أمناء سرّ في لجان المناهج التي لا يعرفون عنها شيئاً وليست لديهم المؤهّلات المناسبة للعمل فيها!