انتشرت خلال الأشهر الماضية إعلانات وفيديوات ترويجية لطبيب التجميل نادر صعب يعلن فيها عن "تقنية ثورية" تسمح بتغيير لون العيون بشكل دائم خلال ربع ساعة فقط، ومن دون أي ألم ومخاطر تذكر. تقنية يرى صعب في فيديواته المنشورة أنها كفيلة "بتحويل الحلم إلى حقيقة" وتخليص من يخضعون لها من "العوارض التي كانوا يعانون منها بسبب العدسات اللاصقة". إلا أن الحلم الذي يروّج له صعب يخفي في طياته، بحسب أطباء عيون، كوابيس مرعبة قد تحجب الألوان نهائياً عن العين وتصيب من يجريها بالعمى. حملة صعب الدعائية استنفرت "الجمعية اللبنانيّة لأطباء العين" التي أصدرت بياناً في 20 حزيران الماضي حذّرت من خلاله، بالتفصيل، من المخاطر الكبيرة الناجمة عن تقنية تغيير لون العين. بيان الجمعيّة استُتبع قبل يومين بإعلان جمعية المجازين في قياس النظر في لبنان عن "دعمها وتضامنها مع جمعيّة أطباء العين في حملتها وذلك حرصاً على سلامة المواطنين". تحرّكات لم تلق حتى اللحظة أي صدى لدى صعب الذي كثّف من حملته، وآخرها كان إعلان جديد نشره يوم الأحد الفائت.
من يجري العملية لا يمكنه العودة عنها (هاربرز بازار)

تقنية آمنة؟
يؤكد صعب في حديث مع "الأخبار" أن التقنية التي يعتمدها، femtolasic بحسب ما يرد في الإعلان، "آمنة بنسبة 99.99%، وأتمنى من أطباء العيون الذين يهاجمونها الاطلاع عليها قبل الحكم والتجني. أوافقهم الرأي بأن تقنيات أخرى متبعة لتغيير لون العين خطيرة وقد تؤدي إلى العمى، ولكن هذا لا ينطبق على التقنية المستخدمة في مستشفى نادر صعب". ويلفت إلى أن "التقنية التي يستخدمها ليست عملية، بل إجراء ليزر سهل جداً، وبجلسة واحدة وربع ساعة فقط يتغيّر لون العين. ويمكن للشخص اختيار لون من أصل 17 لوناً متاحاً". وعن كلفة العملية ينفي صعب "ما يشاع عن أنها تكلّف 8 آلاف دولار. هنالك مبالغة في الرقم، علماً بأن كلفة آلة الليزر تقدّر بحوالي نصف مليون دولار".
خلافاً لما يروّج له صعب، يشير بيان "الجمعية اللبنانيّة لأطباء العين" إلى أن "من يسوّق لهذه العمليات ويقوم بها يجعل من عيون المواطنين حقل تجارب ويحاول تضليلهم عن طريق بثّ معلومات غير صحيحة وغير علمية بتاتاً، وإظهار العملية على أنها بسيطة ولا تنطوي على أي مخاطر بغية تحقيق المكسب المادي".
وفيما يشدّد صعب على أن التقنية التي يستخدمها "حائزة موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA، ويتم اعتمادها في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، وأنا أوّل من استقدمها إلى العالم العربي"، يوضح البيان أن "هذه العمليّة لم يتم تبنّيها أو اعتمادها من قبل أي هيئة علمية محليّة أو عالميّة، والمضاعفات الناجمة عنها خطيرة جداً وقد تؤدي إلى العمى (تحلّل القرنية، التهابات جرثومية خطيرة، الحاجة إلى زرع قرنية وانفصال شبكية)".

مخاطر العملية
يشرح رئيس الجمعيّة اللبنانية لأطباء العين الدكتور حسن شاهين أن هذا النوع من العمليات "يقتصر على حالات مرضية خاصة جداً كالتشوّه الخلقي في القزحية، أو على عين فاقدة كلياً للنظر. وبالتالي فإن استخدامها على عيون سليمة خطأ طبي فادح. أوّل ما يتعلّمه الطبيب هو ألا يكون العلاج مسبّباً للأذى. لكن هذه العمليّة بالطريقة المستخدمة لتغيير لون العين عنوانها الأساسي هو الأذية. كل التقنيات المستخدمة حتى اللحظة لتغيير لون العين، باستثناء العدسات اللاصقة، هي تقنيات لم توافق عليها أي إدارة طبيّة عالميّة وليرسل لنا الـ FDA إن كان موجوداً".
لمتابعة الموضوع عبر اتخاذ إجراءات قانونيّة لمنع عمليات مماثلة


يفصّل شاهين الآثار الخطيرة التي قد تنتج من إجراء عمليات كهذه، ومنها "منع إجراء فحص العين الروتيني بشكل دائم كون التلوين سيخفي جزءاً كبيراً من داخل العين، كما أن تغيير لون العين سيجعل عملية الماء الزرقاء غير آمنة في المستقبل، ويزيد من المضاعفات بشكل كبير جداً، وكذلك الأمر في حال احتياج المريض إلى علاج بالليزر أو جراحة لشبكية العين في المستقبل. كذلك فإن هذه العملية تؤثر على حقل نظر المريض في المستقبل، إضافة إلى تسبّبها بإزعاج كبير له من الضوء".
أحد أبرز المخاطر من الخضوع لعمليات كهذه يتمثّل بحسب شاهين "بعدم إمكانية الرجوع عن العمليّة أو إعادة العين إلى حالتها السابقة". أي بكلام أوضح، فإن من خضع للعمليّة أكل الضرب. لذلك يشدّد شاهين على أنه "من الأساس لا يحقّ لطبيب تجميل المسّ بالعين، وكل ما يشاع عن أن العمليّة خارج العين كلام غير صحيح". في المقابل، يقول صعب إنه "كطبيب تجميل لا يفهم بالعيون ولا يجري شخصياً عملية تغيير لون العين، بل هنالك فريق متخصّص من أطباء العيون العاملين في مستشفى نادر صعب هم من يتولّون هذه المهمة. وهذا الإجراء لا يلمس القزحية ولا يمسّ بوظائف العين الأساسيّة".
في خضمّ هذه التصاريح المتضاربة، وإلى أن تتدخل نقابة الأطباء بشكل سريع وحاسم لوضع النقاط على الحروف، يبقى المواطن فريسة سهلة للفوضى المستشرية، وخاصة أن صعب بذاته يكشف عن "وجود مراكز عدة في لبنان تجري عملية تغيير لون العين، لكن وفقاً للطرق القديمة التي تدمّر العيون". من جهتها، فإن الجمعيّة اللبنانيّة لأطباء العين ماضية في حملتها للتصدّي لهذه الممارسات كافة، إذ يؤكد شاهين أن "الجمعيّة، بالتعاون مع نقابة الأطباء في لبنان، في صدد استكمال الإجراءات القانونية لمتابعة الموضوع ومنع إجراء عمليات كهذه. وتتمنى الجمعية على المواطنين أخذ الحيطة والحذر وأن يلجأوا إلى طبيب العيون الخاص بهم أو التواصل مع الجمعية عبر الإيمايل لأخذ المشورة العلميّة الدقيقة".



أطباء في الوطن العربي يحذّرون
يتحدّث الدكتور نادر صعب عن "نيّته إنشاء أكبر مركز عيون في الشرق الأوسط والعالم العربي في لبنان، وسأنشئ مركزاً آخر في دبي".
وعلى سيرة الإمارات، من اللافت أن جمعية الإمارات لطب وجراحة العيون كانت قد أصدرت بياناً في كانون الأول عام 2020 أشارت فيه إلى أن "المشاكل الناجمة عن هذه العمليات التجميلية للعيون السليمة كثيرة وخطيرة، وأهمها فقدان البصر"، وأن "مثل هذه العمليات تم التصديق عليها من قبل هيئة الغذاء والدواء عالمياً لعلاج فئات محدّدة كإصابات في قزحية العين، غياب القزحية الوراثي، أو حالات مرضية تستدعي مثل هذه العمليات".
كذلك كان بارزاً حجم التفاعل الذي لاقاه ترويج الدكتور صعب للتقنية من قبل أطباء عيون في لبنان وخارج لبنان، وخاصة في مصر حيث قام الدكتور طارق شعراوي، رئيس قسم جراحات المياه الزرقاء بجامعة جنيف في سويسرا بإعادة نشر البوست المنشور على صفحة الدكتور صعب والتعليق عليه بالآتي: "العملية اللي بيسوّق لها الدكتور نادر صعب عملية غير معترف بها ولا مسموح بإجرائها ونتائجها كارثية في معظم الحالات، ويمكن أن تؤدي إلى العمى. أدعو جميع الأطباء في العالم العربي إلى الوقوف بحسم ضد هذه الممارسات".