الأزمة الصحية الحالية ليست الأولى التي تختبرها محافظة بعلبك ــــ الهرمل، فهذه «البلاد» تعيش منذ زمنٍ طويل أزمتها الخاصة قبل أن تضاعفها الأزمات الأخيرة. فهنا، مثلاً، ليس غريباً أن «يخلص العمر» على باب مستشفى لعدم وجود سرير فارغ، لا همّ إن كان مستشفى خاصاً أو حكومياً، فالأمر سيّان في المكانين، إذ تعاني المحافظة خللاً كبيراً لجهة أعداد الأسرّة المتاحة في المستشفيات مقارنة بعدد السكان، عدا عن المستوى المتدنّي للخدمات الصحية والاستشفائية. أما المشكلة الأبرز، فهي في «الخلل الحاصل في التوزيع الجغرافي للمستشفيات، وعددها الضئيل جداً بالنسبة إلى محافظة تزيد مساحتها على 3000 كلم2»، بحسب الدكتور إسماعيل سكرية، رئيس الهيئة الصحية الوطنية، مشيراً إلى أن «بعض المستشفيات في المنطقة ليست مستشفيات بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل هي أقرب إلى مستوصفات طبية». وثمة ما يمكن إضافته هنا إلى لائحة الأزمات في المنطقة، وهو تحكّم «الوساطات بالدخول إلى المستشفى والحصول على سرير، فالمحظيّ هو من له ضهر»، على ما يقول بعض أطباء المنطقة، متطرقين أيضاً إلى تمييز يمارسه بعض أصحاب المستشفيات الخاصة بين المرضى لناحية الجهة الضامنة، «وبالطبع مرضى الوزارة في أدنى الترتيب، وهم الأفقر في المنطقة».تضمّ منطقة بعلبك ــــ الهرمل 9 مستشفيات خاصة ومستشفيين حكوميين، تقسم ما بين 6 مستشفيات خاصة في بعلبك (دار الأمل الجامعي والمرتضى والططري وابن سينا والريان ودار الحكمة) تضمّ 480 سريراً، إضافة إلى مستشفى بعلبك الحكومي (115 سريراً)، و3 مستشفيات خاصة في الهرمل (يونيفرسال والبتول والعاصي) تضم 82 سريراً ومستشفى الهرمل الحكومي (45 سريراً). ويبلغ مجموع الأسرّة في تلك المستشفيات مجتمعة 722 سريراً تخدم 500 ألف لبناني... و60 ألف نازحٍ سوري!
تكشف هذه الأرقام، بحسب سكرية، مدى نأي الدولة وحكوماتها المتعاقبة بنفسها عن الاهتمام بأوضاع أبناء قرى وبلدات بعلبك الهرمل، وتحديداً في ما يخص التوزيع الجغرافي لهذه المستشفيات، حيث يفقد عدد كبير من أبناء غربي بعلبك والبقاع الشمالي «الأمل بالنجاة عند أي طارئ صحي خطير، إذ يترتب على مرضى القلب والجلطات والإصابات الناجمة عن إطلاق نار الانتقال أكثر من 60 كيلومتراً باتجاه مدينة بعلبك، إن لم يكن 100 و150 كلم باتجاه زحلة وبيروت لعدم توفر أسرّة ولعدم توفر الأطباء والإمكانات لمعالجة تلك الحالات، والأمر نفسه بالنسبة إلى قرى غربي بعلبك كدير الأحمر وعيناتا واليمونة وبيت مشيك وشمسطار وطاريا».
اليوم، أضيفت إلى الأزمات السابقة الأزمة المالية والاقتصادية التي أرخت أيضاً بثقلها على المستشفيات وقدراتها المالية واللوجستية، حيث تعاني نقصاً في المعدّات والمستلزمات الطبية والتمريضية، ما يستدعي «دق ناقوس الخطر»، بحسب مدير مستشفى بعلبك الحكومي، عباس شكر الذي كشف أنّ مستشفى بعلبك الحكومي «يعاني نقصاً حاداً في كثير من المستلزمات الطبية نتيجة تعنّت الشركات لجهة الدفع بالفريش دولار. لذلك لم نعد نملك القدرة على إجراء التحاليل والفحوصات في مختبر المستشفى». ما يعيشه «بعلبك الحكومي» يسهل «تعميمه» على غيره من المستشفيات التي أوقفت بعض الخدمات الطبية فيها أو حتى الأقسام نتيجة فقدان المستلزمات والمعدات. أكثر من ذلك، تفتقر معظم المستشفيات إلى غرف العنايات، وتحديداً غرف عناية الأطفال، فباستثناء قسم عناية الأطفال الذي افتتح قبل أسابيع في «بعلبك الحكومي» والغرف الخمس في مستشفى الهرمل الحكومي، لا غرف أخرى في المنطقة، وأيضاً لا بنوك للدم. وكلما اقتربنا من الهرمل، زاد الشح في الخدمات الطبية في المستشفيات، وقد وصل الأمر الى حدّ افتقارها إلى أطباء اختصاصيين في جراحة الدماغ والأعصاب وحتى الحروق. ويعزو مدير مستشفى الهرمل الحكومي سيمون ناصر الدين السبب إلى «الجغرافيا البعيدة للهرمل والتي تشكل عبئاً على بعض الأطباء الذين يواجهون صعوبات في الانتقال من الهرمل وإليها، واليوم زادت المشكلة أكثر بسبب انهيار الليرة».
وفي هذا السياق، أكد النائب الدكتور علي المقداد، عضو تجمع المستشفيات الحكومية والخاصة، أن مشروع إنشاء مستشفى حكومي في البقاع الشمالي «وُضع على سكة التنفيذ بالتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار بقرض من الصندوق الكويتي قيمته 10 ملايين دولار، وسط مساع حثيثة في ظل الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي الصعب لثني الأطباء عن الهجرة والبقاء في المنطقة لمتابعة الجهود لتعزيزها بالأطباء الكفوئين وذوي الاختصاصات المختلفة».