تطورات متسارعة جعلت أزمة المناخ في صدارة الاهتمام العالمي، وتجعل من 2021 «سنة حاسمة لمواجهة حالة الطوارئ المناخية العالمية»، بحسب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. ولعل أبرز هذه التطورات دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أعاد واشنطن إلى اتفاقية باريس للمناخ، 40 زعيماً عالمياً إلى قمة للمناخ تستضيفها بلاده في ٢٢ نيسان الجاري لمناسبة اليوم العالمي للأرض. فيما يعمل غوتيريش على حشد التأييد الدولي لزيادة الالتزام في مؤتمر الأمم المتحدة الـ ٢٦ بشأن تغيّر المناخ الذي يُعقد في غلاسكو في تشرين الثاني المقبل.رغم ذلك، ليست دعوة بايدن سوى نوع من التعويض الدبلوماسي عن خطأ سلفه، دونالد ترامب، الذي تصرّف برعونة بانسحابه من اتفاقية باريس المناخية، في وقت كان يمكنه إبقاء بلاده فيها من دون تنفيذ التزاماتها، كما حصل دائماً منذ إبرام الاتفاقية الإطارية لتغيّر المناخ عام 1992، ومنذ اعتماد بروتوكول كيوتو التنفيذي عام 1997، ومخالفته والاحتيال عليه لاحقاً. وهذا ما أشار اليه الأمين العام للأمم المتحدة، في اجتماع وزاري في 23 آذار الماضي بدعم من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا للبحث في زيادة التزامات الدول. إذ أعلن أنه بعد خمسة أعوام على إبرام اتفاقية باريس، فإن الدول الملتزمة بخفض انبعاثاتها لا تشكل سوى 65% من الانبعاثات العالمية، وهو يطمح لأن تصل نسبة الالتزام إلى 90% قبل قمة قمة غلاسكو، مطالباً بالتزامات موثوقة لخفض 45% من الانبعاثات عن مستويات عام 2010 بحلول سنة 2030، ولافتاً الى أن الالتزامات المحددة وطنياً التي تسلّمتها الأمانة العامة للاتفاقية من الدول لم تقترب من هذه النسب بعد. كذلك، طالب الدول الصناعية الكبرى، ولا سيما مجموعة السبع، بالوفاء بالتزاماتها رفد صندوق المناخ بـ 100 مليار دولار سنوياً. وحضّ الدول التي لا تزال تستخدم الفحم الحجري على وقف إنشاء المحطات العاملة على الفحم والتخلص التدريجي منها بحلول سنة 2030 للصناعية منها وسنة 2040 لتلك النامية. كما طالب دول مجموعة السبع التي ستعقد قمتها في حزيران المقبل بزيادة التزاماتها حول المناخ، ومجموعة العشرين بتحديد سعر الكربون وتحويل الدعم الذي كان مخصّصاً للوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.
بهذا، يبدو غوتيريش وكأنه يجمع كل المتناقضات، ويطلب كل شيء، من دون منهجية محددة، للحصول على شيء ما. وهذا ما يدل على انخفاض طموحه، في وقت يطالب دول العالم بزيادة طموحها! إذ يدعو إلى الالتزام باتفاقية باريس مع أنها اتفاقية غير طموحة، فشلت في توحيد أهداف دول العالم وفي الوصول إلى تعهدات مُلزمة فعلاً، ولم تنجح في توحيد الرؤية والأهداف ولا بتحديد السنة المرجعية التي تجب العودة إليها لضبط الانبعاثات. فهل على الدول العودة إلى انبعاثات ما قبل الثورة الصناعية أم إلى انبعاثات عام 2010 أو عام 2015 (كما أعلنت غالبية الدول)؟ وهل سيحصل ذلك عام 2030 أو 2050 أو 2060؟ إذ تركت اتفاقية باريس للدول أن تحدد بنفسها التزاماتها الوطنية وما تستطيع أن تفعله، ما يعكس حال الفوضى والإرباك وتضارب المصالح.
عندما تتعلق كل هذه الالتزامات الموعودة بقطاع الطاقة، الأكثر تسبّباً في تغيّر المناخ، تظهر مدى مصداقية هذه الالتزامات. فهذا القطاع هو الشريان الحيوي للحضارة التي نعرفها، ومن الصعب على الدول أن تتفق على إبقائه تحت الأرض (أو تحت البحر أو تحت الثلج) في وقت تتسابق على الاستحواذ عليه والتنقيب عنه، وتشنّ الحروب لحمايته وحماية طرق إمداده! كما يصعب التخلي عن الوقود الأرخص في ظل أجواء التنافس على السوق الذي يعتمد على خفض كلفة الإنتاج!
فأيّة دبلوماسية يعتمد الأمين العام للتوفيق بين هذه المصالح؟ وما هي الدبلوماسية عندما يتعلق الأمر بمفاوضات المناخ بين الدول غير ابتداع الحلول الوسط بين رذيلتين، بين الحرب والكذب؟ بهذا المعنى، فإن معيار نجاح مبادرات المناخ، سواء أتت من الأمين العام للأمم المتحدة أو من الرئيس الأميركي، يستدعي وقف الحرب التجارية بين الدول، ولا سيما بين الصين والولايات المتحدة، وتغيير النظام العالمي المسيطر طبعاً، ووقف الكذب التاريخي بالإعلان عن الاهتمام بقضية تغيّر المناخ والتوقيع على الاتفاقيات الدولية بشأنها، من دون أيّ نية للالتزام بها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا