أنعش الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي مبيعات الكتب في لبنان، بعدما وجد فيها كثيرون الوسيلة الأمثل لقضاء الوقت في ظلّ الإغلاق المفروض، على رغم الزيادة الكبيرة في الأسعار التي تفرضها دور النشر، والتي يتقلّب سعر صرفها للدولار مع تقلب صفحات الكتب.لانا حلبي، صاحبة مكتبة Halabi Bookshop، أكدت أن «الطلب كبير ويفوق التوقّعات خصوصاً على الروايات بالعربية والإنكليزية وكتب الأطفال، تليها كتب الأدب والفلسفة والأعمال وتطوير الذات، والكتب الجامعيّة التي يحتاج لها الطلاب»، مشيرة إلى «أنّنا نعتمد على التوصيل عبر خدمة الديليفري إلى جميع المناطق». تفشّي «كورونا» شجّع شريحة كبيرة من القرّاء أيضاً على الغوص في عالم الأوبئة والأمراض واكتشاف أشكال الحياة في عالم الجوائح وهو ما تُرجم، بحسب حلبي، «بالإقبال الهائل» منذ شهر شباط على رواية The Eyes of Darkness (للكاتب Dean Koontz). علماً أن الرواية الصادرة عام 1981 لقيت رواجاً هائلاً حول العالم واحتلّت المرتبة الثالثة في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً على موقع أمازون في الأسبوع الأول من آذار المنصرم، نظراً إلى إطلاق الكاتب اسم «ووهان-400» على الفيروس في روايته الخيالية.. «كورونا» شكّلت أيضاً أرضية خصبة للأخبار المزيّفة إذ أن «الكثير من الزبائن طلبوا كتباً تتحدّث عن الأوبئة انتشرت أسماؤها على مواقع التواصل الاجتماعي ليتبيّن لنا عند البحث عنها أنها أسماء كتب وهميّة».
البعض الآخر اختار الجانب الأكثر تفاؤلاً مستعيناً بالرسم لمعالجة التوتر الناتج عن ضغوط الحياة وذلك من خلال اللجوء إلى «كتب التلوين للكبار التي تُعرف بالمندالا والتي تُطلب بشكل كثيف» بحسب حلبي. (تعرف المندالا بفنّ البهجة، وهي عبارة عن دائرة تتكرر فيها الدوائر والأشكال الهندسية المختلفة، والتي كلّما تعمق الرسام فيها كلّما وصل إلى السلام الداخلي).
كتب «المندالا» للرسم مطلوبة بشكل كبير أيضاً من قِبل زبائن «مكتبة أنطوان»، بحسب رئيس مجلس إدارة «هاشيت أنطوان» إميل تيّان. إلّا أن فرح الرسم لا يُخفي قتامة المشهد حيث يكشف تيّان إلى أن العمل «تراجع بنسبة 70% إلى 80% بسبب القيود على الحركة والتنقلات. أما القراء فأعدادهم في تراجع مستمر بشكل عام، والفرق الذي نتج عن كورونا هو أن بعض الزبائن باتوا يطلبون كتباً بكميات أكبر من المعتاد لتمضية الوقت خلال فترة الحجر».
من جهته يشير صاحب «دار الرافدين» محمد هادي إلى «أننا استشرفنا ما نحن قادمون عليه قبل إعلان التعبئة العامة، لذلك بدأنا بتقديم عروض وخدمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي رغم أن المكتبة كانت لا تزال مفتوحة لمن يرغب بالزيارة. ثم وسّعنا الفكرة وأطلقنا معرض الرافدين الافتراضي للكتاب ونهدف منه، من خلال طريقة تقديم الصور، إلى إشعار المتابعين كما لو أنهم يتجوّلون في معرض كتاب. وقد رافقت الخطوة عروضات كبيرة وخدمة توصيل الكتب إلى الزبائن أينما وجدوا حول العالم. في الإجمال ارتفعت المبيعات خلال آخر ثلاثة أسابيع بشكل كبير جداً، لتصل نسبتها إلى حوالى 80% من حجم المبيعات في الأيام العادية. أمّا الطلب فشمل مختلف المناطق اللبنانيّة وتحديداً منطقتي الجنوب والجبل وكان التركيز على الروايات بشكل عام».
اقبال على الروايات وكتب الأوبئة و«التلوين للكبار»


الاندفاع على القراءة زاد أيضاً في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث يشير مسؤول التواصل في مكتبة Philosophia جاد حاموش إلى أن «الطلب على الكتب ارتفع بشكل ضخم وشمل مختلف المناطق بنسب تخطّت تلك المسجّلة قبل مرحلة انطلاق الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول من العام الماضي. وسعينا إلى مواكبة هذه الاندفاعة وتشجيعها عبر تأمين خدمة التوصيل المجاني في حال تخطّت المشتريات الكتابين». طلب الزبائن يبيّن، بحسب حاموش، أن الأغلبية منهم «تبحث عمّا ينسيها الوباء والمرحلة التي نعيشها». من هنا «كانت الأولوية للروايات الصوفيّة وروايات الحب». أما أحد العوائق الأساسية فيكمن في أن «أغلب دور النشر رفعت الأسعار بشكل كبير خصوصاً على الروايات والكتب التي تلقى إقبالاً هذه الفترة، وأغلبها يسعّر الدولار بـ 2500 ليرة وحتى 2800 ليرة فيما نحن ملتزمون بالبيع على أساس 2000 ليرة للدولار».
بدورها تشكو منال دسوقي صاحبة، فكرة ومشروع Rent a Book لتأجير الكتب، من «سعر صرف الدولار الذي تفرضه بعض دور النشر والذي يتخطّى الـ 2500 ليرة، خصوصاً على كتب قديمة ومطبوعة منذ سنوات، وهو ما تبرّره بارتفاع كلفة أعمالها من طبع وحبر وورق وكلفة خدمات المترجمين الأجانب وغيرها». دسوقي وزوجها أطلقا مشروع تأجير الكتب الذي «جذب الكثير من القراء والزبائن الذين يفضّلون عدم تكديس الكتب في منازلهم لضيق المساحة ونظراً إلى أن كلفة الإيجار تبلغ حوالى نصف سعر الشراء وخدمة التوصيل مجانية في بيروت وضواحيها من دون اشتراط حدّ أدنى للطلبيّة»، مشيرة إلى أنها مع تفشي «كورونا»، وحرصاً على الوقاية، أوقفت مؤقتاً الإيجار للحدّ من تناقل الفيروس عبر الكتب رغم إجراءات التعقيم، وانتقلت إلى البيع، «وقد كان الطلب كبيراً ولافتاً، وبعض الزبائن يطلبون كتباً بكميات، ويتخطّى سعر بعض الطلبيات الـ 200 ألف ليرة».