توقفت، أخيراً، أعمال التحديد والتحرير الإلزامي في بلدة القوزح (قضاء بنت جبيل)، وقبلها في بلدة تولين (قضاء مرجعيون)، وذلك بقرار من أمين السجل العقاري، نتيجة اعتراضات الأهالي والدعاوى المقدمة من بعضهم الى القضاء ضد المساح المكلف وأحد المختارين.
أحيل ملف الدعوى الى قاضي التحقيق الأول في النبطية، الذي عمد الى أخذ شهادات العديد من أبناء البلدة، وذلك لأسباب تتعلق «بالأموال التي يدّعي الأهالي دفعها للمساح المكلف مقابل مسح عقاراتهم، وذلك بشكل مخالف للقانون، إذ يُمنع على المساح تقاضي الأموال من الأهالي لقاء عمله كونه يحصل على أجره من الدولة اللبنانية»، بحسب رئيس بلدية القوزح السابق فريد فليفلي، الذي بيّن لـ«الأخبار» أنه «سبق له أثناء تولّيه رئاسة البلدية لمدة أربعة أشهر أن وزّع منشورات على الأهالي لإطلاعهم على عدم وجوب دفع الأموال الى القيّمين على أعمال المسح، لكن ذلك لم يُجدِ نفعاً، بعدما تبيّن أن العديد من الأهالي دفعوا أموالاً طائلة». وأشار الى «شيوع الحديث عن أعمال تزوير واعتداءات على الأملاك العامة». ولفت ابن البلدة إبراهيم صعب الى أن «توقف أعمال المسح يعني إعاقة الحصول على إفادات بملكية الأراضي، وبالتالي تعطيل مصالح الأهالي، أو على الأقل أصبح من الصعب الحصول على الإفادات العقارية إلا بعد إجراء عملية الفرز والضمّ على نفقة أصحاب العقارات».
وكانت أعمال المسح العقاري قد توقفت للأسباب عينها في أكثر من بلدة وقرية جنوبية، من بينها بلدة تولين (قضاء مرجعيون)، إذ أشار رئيس بلديتها حسن عوالي لـ«الأخبار» الى أن «عملية مسح عقارات البلدة توقفت منذ عام 2008، لأن عملية المسح لم تكن تجرى بشكل قانوني، ولأن المساح المكلف بها لم يكن يصطحب معه بشكل دائم مختار البلدة وجيران العقارات المراد مسحها، كما هو لازم قانوناً، كذلك فإن بعض مشاعات البلدة تم مسحها بأسماء أشخاص»، ولفت عوالي الى أن «أحد المختارين السابقين مسحت لمصلحته أراض لا تعود ملكيتها له»، مبيّناً أن «البلدية تسعى اليوم الى إعادة أعمال التحديد والتحرير الى البلدة، على أن تراعى المصلحة العامة ويجري العمل وفق القوانين والأنظمة المرعية الإجراء». ومن المفيد ذكره أن عشرات القرى والبلدات الجنوبية لم تجر فيها عملية التحديد والتحرير سابقاً، وكان «العلم والخبر» الذي يمنح من المختار لصاحب العقار، بعد الحصول على توقيع الجيران، والعقد العادي (الصادر عمّن وقّعه) ووضع اليد العلني، هي وسائل إثبات الملكية الوحيدة، التي سمحت بكثير من التعديات على الأملاك العامة والخاصة. أمّا القرار الذي يعمل به اليوم لإتمام عملية المسح فهو قرار يحمل الرقم 186 وهو عثمانيّ المنشأ صادر بتاريخ 15 آذار 1926 عن المندوب السامي، تمّ تعديله للمرّة الأخيرة عام 1959. يتحدّث عن تثبيت الملكية بواسطة سندات «طابو» التركية، أو بواسطة قيد مسجّل في دفتر «خانة» العثماني، أو يقيّد بدفاتر التسجيل في جبل لبنان القديم. ويعمد بعض المخاتير الى إضافة عبارة الى «العلم والخبر» تبيّن أن وضع اليد تم منذ أكثر من عشر سنوات، ولو كانت الملكية حديثة. وبالنسبة إلى مهل الاعتراضات على التحديد والتحرير، فهي تبقى مفتوحة طيلة فترة عملية التحديد والتحرير، وبعد اختتامها من قبل القاضي العقاري بثلاثين يوماً.
يبيّن أحد مهندسي المساحة في مرجعيون أنه «جرت العادة على التزام أحد مهندسي المساحة عملية تحديد وتحرير إحدى البلدات، بمبلغ 99 مليون ليرة لبنانية، بعد إجراء مناقصة قانونية، وهذا المبلغ قد لا يكون كافياً فيعمد المجلس البلدي بالاتفاق مع المهندس إلى تأمين مبالغ مالية من أصحاب العقارات لقاء إنجاز عملية المسح والفرز العقاري». ويشير العديد من الأهالي الى أن «بعض المخاتير، بحكم وجوب متابعتهم لأعمال المسح، أصبحوا من أصحاب العقارات الكثيرة، ومنهم من باع عقارات كثيرة ليست له». ومن المخاوف التي أثارها بعض الأهالي أن تكون بعض الأراضي المجهولة المالك قد ضمّت الى أراض خاصة ووضع اليد عليها من المشترين الجدد، وهذا الأمر قد يكون حصل لمشاعات البلديات المجهولة. وما يسهّل حصول ذلك أن كثيراً من الأراضي المبيعة قد تمّ شراؤها من دون تحديد لمساحتها عبر عقود ذكرت فيها عبارة «بالغاً ما بلغت» أو «بحدودها الأربعة»، لذلك تم لاحقاً عدم الاعتراف بأي عقود جديدة تذكر فيها هاتان العبارتان. إضافة الى ذلك، فإن البعض قد تعمّد شراء أراض مجاورة لأراضي المشاع البلدي المجهولة مساحته، لضمّ جزء من هذا المشاع، بعد أن يحصل على عقد بيع للأرض التي اشتراها، والتي لم تحدد مساحتها في العقد.
وكان مجلس بلدية ياطر السابق قد تابع قضية المسح العقاري الإلزامي للحيلولة دون مسح أكثر من 5000 دونم من أملاك البلدة العامة لمصلحة بعض أبناء البلدة الذين يحاولون استملاكها بعد وضع اليد عليها. وأعلن رئيس بلدية ياطر السابق علي كوثراني أنّ عملية مسح العقارات الإلزامية داخل البلدة قد بدأت، بعدما لجأت اللجنة المكلّفة بعملية المسح في البلدة الى تحديد النطاق العقاري للبلدة، التي تحدّها 6 بلدات أخرى، يعمل على تحديد عقاراتها الملاصقة للبلدة. ويقول كوثراني «في عام 1976 عمد الكثيرون من الأهالي، كما في أكثر البلدات الأخرى، بسبب غياب القانون، الى وضع أيديهم على بعض المشاعات، أو ضمّوا جزءاً منها الى عقاراتهم الملاصقة لها، وقاموا بتشجيرها أو البناء فيها، لذلك يجب متابعة الأمر مع المسّاحين العقاريين المكلّفين من الدولة، لتوضيح هذه الاعتداءات، وتأكيدها، والعمل على إعادتها الى البلدة، وعلى الدولة والمسّاحين أن يتحملوا مسؤولياتهم».
تزامنت عملية التحديد والتحرير الإلزامي، التي تشهدها بعض القرى والبلدات الجنوبية في قضاءي بنت جبيل ومرجعيون، مع حركة لافتة وغريبة لشراء وبيع الأراضي، التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني. ويبدو أن العديد من رجال الأعمال قد تفرّغوا لهذا النوع من التجارة، «كون عملية بيع وشراء العقارات قبل إنجاز المسح العقاري الإلزامي سهلة وغير مقيّدة، ولا تخضع للرسوم والروتين الإداري، ما يعني استغلال الوقت لتحقيق أكبر قدر من الأرباح» يقول التاجر علي صولي، من بلدة الطيبة (مرجعيون).
وأشار علي ابراهيم (عيناتا) الى أن «ظاهرة شراء الأراضي وبيعها أصبحت الشغل الشاغل للأهالي، خلال فترة المسح العقاري، حتى ساد الحديث عن قصص الأغنياء الجدد الذين حققوا أرباحاً خيالية من وراء هذه التجارة المربحة، كما انتشرت مهنة السمسرة، التي يساهم أصحابها في ارتفاع أسعار الأراضي»، ويبيّن أن «متوسط سعر دونم الأرض ارتفع في البلدة ومحيطها من 20 ألف دولار أميركي الى 50 ألف دولار، كما تقلّصت مساحات الأراضي المهملة والمتروكة، التي عمد أصحابها الى تحسينها وجرفها لتلفت أنظار أصحاب المال، ولا سيما المغتربين الذين يدفعون الأموال الطائلة لشرائها. اللافت دخول تجار العقارات الكبار في الجنوب والبقاع الى المنطقة من خلال شراء الأراضي عبر سماسرة مجهولين، ما ساهم أيضاً في ارتفاع الأسعار».




التملّك بوضع اليد

يسمح القانون بتملّك الأراضي غير الممسوحة عبر وضع اليد ضمن شروط الاستمرار والعلانية والهدوء ومرور الزمن، ويتم تحديدها عبر طريقتين:
■ في الأرض الملك: 5 سنوات بوجود سند محقّ، و15 سنة من دون سند محق.
■ في الأرض الأميرية: 10 سنوات، سواء وجد السند المحقّ أو لم يوجد، ويتم إثبات التملك بمجرد «علم وخبر» من المختار، وهذا ما فتح المجال في الكثير من الأحيان أمام التلاعب، والاستيلاء على الأملاك الخاصة وإصدار إفادات كاذبة عبر استغلال فترة الاحتلال التي كانت سائدة.