وجدت السفينة البريطانية السياحية «إم إس برايمر» نفسها عالقة أمام منطقة بحر الكاريبي، وعلى مقربة من شاطئ الولايات المتحدة الأميركية. على متنها 682 راكباً من دول مختلفة، إضافة إلى أفراد طاقمها البالغ عددهم 381 شخصاً. تبيّن أنّ خمسة من الـ1063 شخصاً، مُصابون بفيروس «كورونا»، ما يعني كارثة حقيقية لو تفشّى المرض بين جميع الموجودين على متنها. السفينة كانت بحاجة إلى التزود بالطعام والوقود والأدوية، والاستعانة بطاقم طبّي لمعالجة المرضى، ولكن ولا واحدة من دول منطقة الكاريبي وافقت على إعطاء الإذن للسفينة بدخول الموانئ. حتى الولايات المتحدة صمّت أذنيها عن نداءات الاستغاثة البريطانية، رغم أنّها حليفتها والداعمة لها في مختلف سياساتها الدولية. واشنطن تفرّجت من شاطئها على السفينة البريطانية تُعاني... قبل أن يأتي «كَسر الحصار» من كوبا، التي وافقت على فتح «ميناء مارييل» لرسو السفينة. وأشار وزير الخارجية الكوبي، برونو رودريغز إلى أنّه سيتم «استقبال الركاب والطاقم، وتوفير الرعاية الطبية». وأضاف الرئيس الكوبي، ميغيل دياز - كانيل بأنّ ما قامت به بلاده «يتوافق مع قناعتنا بالتضامن الإنساني بين بعضنا البعض».مبادرة كوبا، ولو أنّ البعض قد يراها طبيعية، ليست شائعة بين الدول. حالات عديدة تُثبت ذلك، «الأفظع» منها تجربة سفينة «أميرة الألماس» السياحية، التي وصلت إلى شواطئ اليابان في 4 شباط الماضي. وبعد أن تبيّن وجود 10 إصابات بالفيروس على متنها، منعت اليابان 2666 مسافراً، و1045 من أفراد طاقمها من النزول إلى برّها. فرضت حظراً على الركاب داخل الباخرة، من دون أن تعزل الأفراد المصابين عن السالمين. الأسوأ، أنّ اليابان سمحت لإحدى الراكبات بالنزول بعد أن أتت نتيجة فحص «الكورونا» سلبية، ليتبين بعد فترة أنّها مُصابة بالفيروس. نتيجة رفض اليابان رسو السفينة، أسفرت بالمحصّلة عن 696 إصابة حالة 15 منهم حرجة، ووفاة 7 أشخاص، مقابل تعافي 456.
الحادثة الثانية، لسفينة «غراند برينسيس» التي يوجد على متنها قرابة 3500 شخص، بين ركاب وأفراد الطاقم. منعت الولايات المتحدة الأميركية السفينة من دخول ميناء سان فرانسيسكو، وتم إجراء اختبارات «كورونا» للركاب على متنها، وبناءً على النتائج سيتقرر عزل جزء من الركاب أو السفينة بالكامل، كما أعلنت وزارة الخارجية. سبب الحجر أنّ أحد الأشخاص من كاليفورنيا، كان على متن السفينة في شباط الماضي، توفي بسبب «كورونا». فتريد السلطات المحلية التأكد من وضع الركاب، قبل السماح باستقبالها. كارثة إنسانية ثانية، تلوح في الأفق.
تنشط البعثات الطبية الكوبية في أكثر من 60 دولة


السفينتان الأخيرتان ليستا حالتين يتيمتين، بل يوجد حالياً العديد من السفن في المياه الإقليمية، باحثة عمّن يستقبلها. ويوم أمس، أصدرت السلطات الموريتانية تعليمات بعدم السماح للسفن العائدة من الدول التي ينتشر فيها «كورونا»، من الرسو في موانئها أو الاتصال بالقوارب أو السفن الأخرى، على أن تتمّ إجراءات «السفن المُشتبهة» عبر الاتصالات اللاسلكية. أما السفن التجارية التي تُفرغ حمولتها في الموانئ الموريتانية، فقد مُنعت طواقمها من النزول على المرفأ، وتزويد قباطنة الموانئ بالكشوف المعتادة والتصاريح الصحية قبل 72 ساعة من الرسو. وبعيداً عن السفن المُحتجزة، ثمة دول تمنع مواطنيها من العودة إليها بسبب «كورونا»، كالبحرين التي «تحجر» على أكثر من 2000 مواطن في إيران.
في مقابل هذا الواقع، كانت كوبا الاستثناء من خلال استقبالها السفينة البريطانية، لتزيد بذلك «دسامة» سيرتها الذاتية الإيجابية في مكافحة «كورونا». فكوبا المحاصرة منذ ستين عاماً من قبل الولايات المتحدة الأميركية، أصبحت بفضل نظامها الطبي المُتطور، شريكةً للعالم في الحدّ من انتشار الوباء. اختير دواء الـ«2B Interferon alpha»، المُنتج فيها، لعلاج المرضى في الصين. وهو واحد من الأدوية الكوبية المضادة للفيروسات وتعزيز جهاز المناعة البشري، فيعمل على منع تفاقم المرض والمُضاعفات لدى المرضى، ما يؤدي إلى خفض نسبة الوفيات. وأعلن رئيس مجموعة «Bio Cuba Farma» الحكومية، إدواردو مارتينيز، أنّ 15 دولة في أميركا اللاتينية وأوروبا وأفريقيا وآسيا طلبت معلومات حول الدواء أو استيراده، ويوجد مخزون منه يكفي لكل الدول المحتاجة، من دون أن يؤثّر ذلك على احتياط كوبا منه. وبالإضافة إلى الدواء، وصلت بعثة طبية كوبية إلى إيطاليا لمساعدتها في مكافحة الفيروس. وأعلن مسؤول الصحة الكبير في إقليم لومبارديا، جوليو غاليرا، أنّه «لمواجهة حالة الطوارئ التي فرضها «كورونا»، طلبنا المساعدة من كوبا التي تملك تاريخاً في إرسال بعثات طبية إلى الخارج لمساعدة المحتاجين».
البعثات الطبية، أو «الأممية الطبية الكوبية»، برنامج يعود إلى زمن ثورة الـ1959، القائم على إرسال طواقم طبية (أطباء وممرضون) إلى دول أميركا اللاتينية وأفريقيا وبلدان العالم الثالث، وهم اليوم ينشطون في أكثر من 60 دولة. وقبل أيام، وصلت إلى جامايكا للمساعدة في العلاج. أما البرازيل، والتي كانت واحدة من الدول التي تُساعدها كوبا، فقد شنّ رئيسها جايير بولسنارو حملة على أفراد البعثة الطبية الكوبية، مُعتبراً أنّهم «يعملون بالسخرة لأنّ الحكومة الكوبية تحصل على 75٪ من رواتبهم»، مُجبراً في نهاية الـ2018 أكثر من 9000 طبيب على العودة إلى كوبا. كانت هذه واحدة من أدوات الولايات المتحدة لقطع الموارد عن كوبا، وتجويع شعبها. بقي قرابة 1800 عامل كوبي في القطاع الصحي في البرازيل، بحسب ما صرّح مسؤول في وزارة الصحة البرازيلية لـ«رويترز». لسخرية القدر، أنّ وزارة الصحة البرازيلية تعتبر الأطباء الكوبيين «مؤهلين لإعادة التوظيف». فالدولة برئاسة بولسنارو، قرّرت أن تستعين بالمزيد من الأطباء لمكافحة «كورونا»، وهي تدرس إمكانية طلب مساعدة المزيد من الأطباء الكوبيين.