دقائق ثقيلة مرّت بين إعلان نتائج الدورة الاستثنائية (الثانية) لشهادة الثانوية العامة، منتصف ليل الأربعاء ــــ الخميس، وسحبها وإعادة نشرها من جديد. خلال تلك الدقائق، نجح نحو 165 طالباً ومن ثم رسبوا. مرارة الرسوب بعد النجاح كانت قاتلة بذاتها. كانت كفيلة بالطعن بكل شيء: الأسئلة، أسس التصحيح (الباريم)، ضمير المصححين والمدققين ورؤساء وأعضاء لجان الامتحانات. لم يعد مهماً بالنسبة إلى الطلاب وأهاليهم النظر ما إذا كان النجاح المعلن في البداية مستحقاً أصلاً. شكك الجميع بعلامات كل المسابقات، وبات صعباً إقناعهم بحقيقة ما حصل، وبأن «الخطأ التقني» يمكن أن يكون وارداًَ.مجرد إصدار النتائج وسحبها ولّد انتفاضة على أبواب وزارة التربية منذ صباح أمس.
البعض أصر على إعادة التصحيح، والبعض الآخر استسهل المطالبة بالإفادات على قاعدة «ممنوع التراجع عن النتيجة».
علامات استفهام كثيرة طرحها المتجمعون في بهو الوزارة في الساعات التي سبقت المؤتمر الصحافي للوزير أكرم شهيب. سألوا: «كيف اكتشف المعنيون الخطأ فجأة؟ وهل يمكن أن يعالج الخطأ في ربع ساعة؟ وماذا عن التطابق بين علامات الدورة الأولى وعلامات الدورة الثانية لعدد من الطلاب؟ أليس ذلك دليلاً على أن التصحيح لم يحصل أصلاً؟ وهل معقول أن ينتهي الاستحقاق الاثنين والنتيجة تصدر ليل الأربعاء؟ ألا يزعزع ذلك الثقة بالامتحانات الرسمية برمتها؟ وهل المطلوب تدمير نفسية الشباب؟».
في هذه الأثناء، انتشر على مواقع التواصل تسجيل صوتي لأحد رؤساء مراكز الامتحانات في جبل لبنان يجزم فيه بأن المرشح غبريال فضول تغيب كل الأيام ولم يجر الامتحانات في الدورة الاستثنائية ونجح، ما استدعى رداً من المكتب الإعلامي لوزارة التربية يشرح فيه أن المرشح المذكور تعرض لحادث في 24 تموز الماضي ودخل المستشفى في حالة طارئة وتقدم أهله بتاريخ 26 تموز بطلب نقله إلى مركز خاص بالطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة ليلقى المساعدة المطلوبة، وأرفق الطلب بتقرير طبي وتقرير من قوى الأمن الداخلي. واستدعت الوزارة رئيس المركز لاتخاذ الإجراءات المناسبة بحقه. لكن السؤال لماذا بقي اسم المرشح في مركز ثانوية أنطلياس ولم يبلغ رئيس المركز بذلك؟
وكان المتضررون قد قدموا أمس طعناً لدى دائرة الامتحانات التي تنظر عادة في الخطأ المادي، أي الخطأ في جمع العلامات أو نقلها والمطابقة بين رقم الترشيح للطالب والرقم الوهمي للمسابقة، فيما لا يسمح مرسوم الامتحانات بإعادة تصحيح المسابقات، علماً بأن أعمال التصحيح بدأت مع انطلاق الامتحانات قبل أسبوع وليس مع نهايتها كما قال الأهالي.
وزير التربية أكرم شهيّب علق على الحادثة بالقول إنه «خطأ تقني غير مقصود في نشر النتائج فقط، فيما تصحيح المسابقات وإدخال العلامات إلى أجهزة الكمبيوتر ونقل العلامات عن لائحة المصحح الأول والمصحح الثاني والمدقق جرى بكل دقة ومن دون أخطاء، والنتائج في تصرف من يريد من الطلاب والأهالي والإعلاميين». وأعلن أن «الوزارة تتحمل كامل المسؤولية عن أعمال الموظفين، وقد تمت محاسبة المسؤول عن هذا الخطأ، بقبول استقالته فوراً وطلب تعيين آخر مكانه».
وزير التربية: سجلاتنا مفتوحة ويستطيع من يريد الاطلاع عليها


وشرح كيف حدث الخطأ في مادة الفلسفة فقط وهي مادة معتمدة في الفروع الأربعة لهذه الشهادة ولكن بتثقيل مختلف في كل فرع. وأوضح أنّ «المسابقة تتضمن ثلاثة أسئلة يختار المرشح سؤالاً واحداً من بينها، وبالتالي توضع العلامات المتعلقة بأقسام هذا السؤال في خانات مخصصة لها. وهذا العام، استحدثت خانة جديدة تحدد رقم السؤال الذي اختاره المرشح، بهدف إجراء دراسة تحليلية للأسئلة في ما بعد عند تقييم الامتحانات الرسمية. أما الخطأ الذي حصل في النشر فهو أنّ جهاز الكمبيوتر احتسب رقم السؤال مع العلامات، ما رفع العلامة من 3 إلى 9 علامات بحسب السؤال وتثقيله، وعندما تنبهت اللجنة إلى هذا الخطأ بعد دقائق من النشر، تم سحب النتائج عن الموقع وإلغاء احتساب خانة ترقيم السؤال ومن ثم أعيد النشر بصورة صحيحة مطابقةً للسجلات الورقية والإلكترونية الموجودة لدى دائرة الامتحانات».
وقال شهيب إنه طلب من المفتشية العامة التربوية إجراء التحقيقات اللازمة، كون التفتيش شريكاً أساسياً في الامتحانات الرسمية، وأتاح المجال أمام المرشحين الاجتماع بلجان الامتحانات اليوم وغداً، وبحسب أرقام المرشحين التسلسلية والاطلاع على السجلات الورقية والرقمية، للتأكد من شفافية العمل وصحة العلامات والنتائج بالتفصيل وهي موثقة.
وكشف الوزير كيف ارتفعت نسبة النجاح في هذه الدورة عن الدورة المماثلة في العام الماضي (آداب وإنسانيات: من 19.76% إلى 41.8%؛ اجتماع واقتصاد من 15.35% إلى 29.57%؛ علوم الحياة: من 4.40% إلى 30.29%؛ علوم عامة: انخفضت من 54.45% إلى 23.33%).
وجزم شهيب بأنه لن يوقّع أي إفادة لأنها مقتل للطالب وللتربية. وعندما يعتاد الطالب على الحصول على شهادته بغير حق فإنه سيتابع حياته بهذه الطريقة.