من الغرفة السادسة في محكمة التمييز، عاد الأمل بـ«حق» رولا يعقوب، أمّ البنات الخمس التي قُتلت قبل خمس سنوات. هذه المرة، صدر القرار بالأكثرية عن رئيسة الغرفة القاضية سهير حركة والمستشارين فيها فادي العريضي ورولا مسلم، وقضى بإعادة النظر في محاكمة زوج القتيلة ك. ب. ونقض قرار محكمة الجنايات في لبنان الشمالي الذي كان قد أعلن براءة الزوج من مقتل زوجته… بخلاف رأي رئيس المحكمة داني شبلي. وحدّدت الثامن من أيار المقبل موعداًَ لأول جلسة محاكمة في النقض.إذاً، عادت القضيّة إلى المربّع الأول - إعادة جلسات المحاكمة - بعدما قبلت «التمييز» طلبي التمييز المقدمين من النيابة العامة الاستئنافية في لبنان الشمالي (في الثامن من تشرين الثاني الماضي) وليلى مخايل يعقوب، والدة القتيلة (في 14 تشرين الثاني الماضي)، والمسنودين إلى أساسٍ يفيد بـ«إقدام محكمة جنايات الشمال على تشويه الوقائع وإغفال مستندات واضحة في ملف القضية». هذا التشويه اعتبرت «التمييز» أن من شأنه التأثير في النتيجة التي انتهى إليها حكم محكمة الجنايات، خصوصاً «في ما لو أخذت المحكمة الوقائع الصحيحة بعين الاعتبار لجهة مدى توافر الصلة السببية بين الفعل المنسوب إلى المتهم والنتيجة الجرمية، ما يشكّل أساساً للنقض». وقد أسندت النقض، في هذا المجال، إلى الفقرة (ج) من المادة 296 من أصول المحاكمات الجزائية التي تقرن قبول التمييز بالأحكام الصادرة عن محاكم الجنايات بجملة أسباب منها «تشويه الوقائع أو المضمون الواضح للمستندات المبرزة في ملفّ الدعوى (...)».
انطلاقاً من هذه الفقرة في قانون أصول المحاكمات صحّحت محكمة التمييز مسار قضية رولا يعقوب، بعدما كادت تقفل على أسرارها بعد قرار الجنايات الذي قضى بإطلاق المتهم ك. ب. فوراً، مستندة في ذلك إلى شهادتي ابنتَي المتهم والقتيلة أمام قاضي التحقيق بحضور «العمّة»، واللتين نفتا قيام والدهما بضرب والدتهما. وهما الشهادتان اللتان تناقضان ما قالته الطفلتان سابقاً للشهود فوق رأس القتيلة، وهو ما لم تأت على ذكره محكمة الجنايات في معرض سردها لوقائع الجريمة قبل إصدار قرارها. وإذ اعتبرت الجنايات في حينها أن شهادتي الطفلتين «يصعب الشك في صحتهما لأنهما صادرتان عن طفلتين لا زالتا في سن الطفولة البريئة والفطرية»، إلا أنها أغفلت من جهة أخرى جملة شهادات وتقارير طبية وتقارير أمنية تقف على النقيض، وهي التي توردها مطالعة محكمة التمييز في قرار النقض بالتفصيل. ففي ما يخص الشهود، «انتقت» الجنايات الشهادات التي لا تؤثر في مسار الحكم الواصل نحو البراءة. أكثر من ذلك، وبحسب مطالعة التمييز، وصل تشويه الحقائق إلى الاستناد إلى أدلة لا وجود لها في الملف أو جرى تحويرها خلافاً للواقع.
الملف عبَر خلال خمس سنوات مسارات قضائية متناقضة تأرجحت بين الموت العادي والقتل

وعلى هذا المبدأ، «قفزت» الجنايات عمّن شهدوا موت رولا، وهم الذين استندت إليهم الهيئة الاتهامية سابقاً في قرارها الذي قضى باتهام «الزوج بالتسبب في موت زوجته». وهم فيفي لوسيا الخوري ووليد الحسن وميخائيل يعقوب وبشرى الخوري وناديا الشاطري. وقبل هؤلاء كان ثمة تقرير لدورية مكتب الحوادث في قوى الأمن الداخلي يفيد بأن «عصا شفاطة استُعملت لضرب الضحية وقد وُجدت مكسورة إلى قسمين، قسم بالقرب من الباب الرئيسي لغرفة الجلوس وبجانبه كبتول شعر وقسم في المطبخ (…) وأن آثار الضرب بالعصا على الزند الأيمن واضحة في الصور (...)». وبعد هؤلاء أتت جملة تقارير طبية أكدت أن «السبب الرئيسي للوفاة هو نزيف دماغي حاد»، ولعل أهمها تقريرا لجنة الأطباء في نقابة أطباء الشمال ولجنة الأطباء في نقابة الأطباء في بيروت.
هذه كلها لم ترِد في وقائع قرار «الجنايات». وهو الأمر الذي دفع بمدّعي عام التمييز سمير حمود إلى الطلب من النيابة العامة الاستئنافية في الشمال تمييز الحكم حتى قبل أن يكمل يومه الأول.
اليوم، أعادت القضية - النموذج فتح الملف الذي عبر خلال خمس سنوات مسارات قضائية متناقضة في بعض الأحيان، تأرجحت خلالها القضية بين الموت العادي والقتل، ما يطرح تساؤلاً عن هذا التباين الواضح، خصوصاً في ظلّ وجود ملف واحدٍ للقضية، لم يتغيّر شهوده ولا تقاريره الطبية ولا حتى التحقيقات الأولية. فهل ينصف التمييز حق رولا؟