أبو سمرا: تقدم عاشور بعذر طبي ثم قدمت محاميته دفوعا شكلية
على المستوى القضائي، تبدو الأمور، كما هي حالياً، متجهة نحو اللفلفة. أوقف القضاء مهندسَين وسائق جبالة باطون قبل أن يخلي سبيلهم. مصادر قضائية تؤكد أن قاضي التحقيق لا يمكنه الاستمرار في توقيفهم، لأن النيابة العامة ادعت عليهم بموجب مواد من قانونَي العقوبات والبناء تصل عقوباتها القصوى إلى السجن مدة سنتين. وبالتالي، فإن قاضي التحقيق لا يمكنه الإبقاء عليهم موقوفين لأكثر من 5 أيام.
أول من أمس، حضر القاضي أبي سمرا اجتماع لجنة العدل النيابية التي سألته عما توصل إليه التحقيق. تقول مصادر اللجنة إن القاضي «أبلغ الحاضرين مباشرته التحقيقات فور تسلمه الملف وأنه استدعى صاحب مشروع الايدن باي وسام عاشور، لكن الأخير قدم عذراً مرضياً، ثم قدمت محاميته دفوعاً شكلية». لكنه أكد نيته تسريع الملف، ففي غضون أسبوع سينتهي من الدفوع الشكلية، مشيراً الى أنه أصدر قرار منع سفر بحق عاشور. كلام أبو سمرا بقي في الإطار الشكلي، إذ أكّد للنواب أنه لا يمكنه إطلاعهم على مضمون التحقيق لأنه سيبقى سرياً إلى حين صدور القرار الظني.
من جهة أخرى، دفع تأخر نتيجة التحقيق وزير العدل سليم جريصاتي الى إرسال كتاب الى رئيس التفتيش القضائي بركان سعد قبل يومين حمل الرقم 6614 يتناول فيه موضوع التحقيق السري في الملف. إذ «مع حرصنا على سريته، لم تتضح لنا أوجه الادعاء حتى تاريخه والجهات المسؤولة عن الارتكابات وملابسات الملف وتطوره وخلفياته وتحديد المسؤوليات والمسؤولين»، كما جاء في كتاب جريصاتي.
حتى اللحظة، تبدو التحقيقات محصورة في الجانب التقني البحت، لجهة البحث عمن سدّوا «الريغار». ولهذا السبب، أوقِف سائق «جبّالة الباطون» الذي يُشتبه في أن مهندسين من شركة عائدة لعاشور استأجروا خدماته، ولا يُعتقد أنه كان على دراية بأن ما يقوم به عمل غير قانوني. هذا المسار التحقيقي أهمل تحديد المسؤولية الإدارية عما جرى. فمن المسؤول عن الإهمال الذي أدى إلى الطوفان؟ ومن المتورط؟ ثمة جهات رسمية، أبرزها محافظ بيروت ومجلسها البلدي ومجلس الإنماء والإعمار وقوى الأمن الداخلي، كانت مشاركة، بصورة أو بأخرى، عن المقدّمات التي أنتجت طوفان الصرف الصحي.
لا تحقيق في فيضان مجرور «بْلِس»!
في 16 من الشهر الفائت، سلّطت كل الأضواء على المجرور المحاذي لمشروع وسام عاشور في منطقة الرملة البيضاء، كون «فضيحة الباطون» كبيرة. إلا أن كارثة أخرى حدثت يومها في شارع «بلِس»، حيث فاضت المجارير ودخلت إلى حرم الجامعة الأميركية، من دون أن يلقى الأمر صدى مماثلاً. رغم أن محافظ بيروت زياد شبيب، وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده إثر الفيضان، اتهم مالك أحد المباني في «بلِس»، صاحب محطة «الجديد» تحسين خياط، بالتعدي على شبكة الصرف الصحي المحاذية للمبنى. وتلك فعلياً نصف الحقيقة، إذ كشف الحاضرون في جلسة لجنة الأشغال العامة أن الخلل هناك ناتج من أمرين: الأول يتعلق بتعدّ على الشبكة، وآخر متصل بطريقة تمديد شبكات الصرف الصحي في شارعَي بْلِس وجان دارك وخلط مياه الأمطار بالمياه الآسنة.
وكان مجلس بلدية بيروت قد وافق بتاريخ 25/10/2016 على محضر جلسة المناقصات القاضي «بإعلان العارض المهندس جهاد المولى ملتزماً مؤقتاً لتنفيذ أعمال تأهيل وتطوير شارع جان دارك (أحد الشوارع المتصلة بشارع بلِس) لقاء مبلغ مليون و536 ألفاً و117 دولاراً» (القرار الرقم 608. حصلت «الأخبار» على نسخة منه). لكن بعد مرور عام ونصف عام، أي بتاريخ 12/4/2018، طلبت البلدية من الإدارة (القرار الرقم 275) عدم الموافقة على تسلّم الأعمال النهائية للمشروع نظراً إلى سوء الأعمال المنفذة من المتعهد (حصلت «الأخبار» على نسخة منه).
البلدية لم تحسب حساب الأمطار فتركت الشارع على علّاته
وتقول مصادر متابعة للقضية إن سوء الأعمال المنجزة في خط تصريف المياه الآسنة الواقع في نهاية الشارع هو الذي أدى الى «الكارثة البيئية» يوم 16 تشرين الثاني. إلا أن «البلدية لم تحسب حساب الأمطار، فتركت الشارع على علّاته». ولأن هناك من قرر أن يتعامل مع «مجارير بسمنة وأخرى بزيت»، سلطت الأضواء على الرملة البيضاء وأسقط مجرور «بلِس» من حسابات النواب والوزراء والجهات القضائية والإعلامية، باستثناء الاتهام الذي وجّهه صاحب «شركة الجنوب للإعمار»، رياض الأسعد، إلى المتعهّد جهاد العرب بالتسبب بالأزمة (علماً بأن المتعهّد هو جهاد المولى لا جهاد العرب). وبحسب مصادر وزارة العدل، لم يتم فتح تحقيق بما حصل في بلِس «حتى لا يحصل تضارب مع التحقيق في طوفان الرملة البيضاء الذي يجري التعامل معه كأولوية. وبعد إتمامه، سنفتح تحقيقاً بالمجرور الثاني». طبعاً، كلام المصادر غير مقنع، إذ لا صلة للقضيتين إحداهما بالأخرى، إلا لجهة وجود سلطة بلدية (بشقيها التقريري والتنفيذي) وقوى أمنية لم تقم بواجباتها كاملة قبل هطول الأمطار وحدوث الفيضانَين. وحاولت «الأخبار» التواصل مع رئيس بلدية بيروت لسؤاله عن أعمال شارع جان دارك وما جرى في «بلِس»، الا أن الأخير لم يجب.