ليس غريباً أن تُكتشف مزرعة دواجن في مؤسسة كهرباء لبنان أو في أي مؤسسة أو إدارة عامة. هي الكوميديا السوداء التي نعرفها كلنا وتأتي واقعة مثل هذه عبر مواقع التواصل لكي تُذكرنا بواقعنا المُر. أن يقال إن لبنان تحول إلى مزرعة، فذلك كان ليقال في معرض الاتهام السياسي، لكن أن تأتي «المزرعة» واقعاً مُصوراً، تتحول معها التهمة – التهكم (على واقعنا)، إلى صيصان متراصين، جميلين جداً، من لحم ودم وريش، فذلك أمر يثير الكثير من الضحك على مآلنا مع سلطة، أعيد التجديد لها منذ شهرين، لسان حالها: من أراد أن يتهمنا بتحويل البلد إلى مزرعة، فعليه ألّا يتحدث مجازياً بعد اليوم. المزرعة موجودة والفقاسة تعمل ليلاً ونهاراً والمنتج متنوع بين دجاج وفرّي... والرزق على الله.بعدما تحولت النكتة السمجة إلى حقيقة في مرأب مؤسسة الكهرباء، هل سيكون مستغرباً اكتشاف المزيد منها، أو على شاكلتها، في وزارات وإدارات أخرى؟ الأكيد أن «كهرباء لبنان» تملك القابلية. ما عليها فعله، أن تحوّل اهتمامها عن صنعة الكهرباء التي لا تجيدها أو في أحسن الأحوال ممنوع عليها أن تتقنها (بدليل واقعنا الكهربائي وتحويل معظم أعمالها إلى المتعهدين وشركات تقديم الخدمات) إلى صنعة الدواجن، حيث التفقيس دائم. كل المقومات متوافرة. المكان فسيح واليد العاملة الماهرة يسهل إيجادها في سجلات «متعهدي اليد العاملة».
جميل أن يتحرك التفتيش. فأن يأتي متأخراً خير من أن لا يأتي أبداً. تحقق الإنجاز في الطابق السفلي. ماذا بعد؟ هل سينتقل إلى الطبقات الأعلى فالأعلى منها؟ هل سيبحث في كيفية إنتاج عناصر المزرعة ومقوماتها؟
هي دعوة لأن لا يضيّع التفتيش المركزي وقته بالتحقيق في كيفية نجاح مشروع التفقيس. هو، على أهميته و«براءته»، إلا أنه يخفي خلفه مؤشرات قد تسمح بالاستنتاج ربما أن مزرعة الصيصان هي نتيجة طبيعية، لما ينجز فوقها من أعمال يشهد لها كل لبناني. التنقل على الأقدام بين طبقات المبنى قد يعزز المشاهدات بالمزيد من مظاهر البطالة والتوظيف المقنع، الذي يبدو معه نقل الخبرات إلى الدواجن أمراً يصلح لأن يكون حلاً ناجعاً.
ربما حان الوقت ليلتفت التفتيش المركزي جدياً إلى ملفات الفساد، خصوصاً أنه بالرغم من كل الاهتراء الذي يطاول المؤسسات الرقابية، لا يزال له «وهرته»، على ما تؤكد الرسالة الصوتية التي وزّعت عبر «واتسآب»، ويشدد فيها أحد المسؤولين في مؤسسة الكهرباء، على ضرورة حضور الموظفين صباح اليوم قبل الدوام، تحسباً لوصول المفتشين.
وبما أن هناك من وجّه التهمة إلى المياومين، بمعزل عمّا إذا كانت صحيحة أو لا (غالباً ما تلصق الموبقات بهم)، فلتكن البداية من ملف المياومين والتدقيق في قانونية وسلامة إجراءات استدراجات العروض وتمديدها وزيادة الأعداد والتناوب بين «المتعهدين الأخوة» من ذوي القربى مع متعهد البواخر. وليشمل التحقيق أسماء وأعمار المسجلين على لوائح المتعهد، عله يجري اكتشاف الأسماء الوهمية والتوظيف السياسي ــــ الطائفي. وليجرِ التدقيق بمهمات ومراكز عمل المياومين، الجدد منهم والقدامى، ومنفعة المؤسسة منهم، وكذلك الأسس المعتمدة في تصفية مستحقاتهم وصرفها...
فلتُسمَّ الأمور بأسمائها، ولو لمرة واحدة، وليكن الملف التالي (بعد المياومين) عقود مقدمي الخدمات وأهدافها والإشراف عليها وتدقيق مستحقاتهم، ولا سيما خلال فترة التوقف عن العمل. والأهم موقف الإدارة ودورها في توفير أفضل الظروف لتمكينهم من تحقيق مكاسب على حساب المال العام، وآخر إنجازاتها السعي للاستحصال على آراء استشارية تبرر إعطاءهم تعويضات عن أضرار لحقت بهم تحت «ذريعة إضراب المياومين» والقوة القاهرة.