تنتهي أواخر هذا الشهر المهلة التي أعطيت للبلديات لتسليم الاستمارة التي وجّهتها وزارة البيئة اليها حول واقع ادارة النفايات المنزلية، بناء على التعميم الصادر عن وزير البيئة طارق الخطيب في 8/2/2018. ورغم أن المهلة كانت قد مُدّدت قبل ذلك، الا أن كثيراً من التساؤلات التي طرحتها البلديات والكثير من الخبراء والمراقبين وأعضاء اللجنة التي عيّنها الوزير… بقيت بلا جواب.بين هذه التساؤلات: لماذا تدور كل أسئلة الاستمارة حول سؤال محوري واحد، وهو ما الذي تريد هذه البلديات أن تفعله بنفاياتها المنزلية؟ علماً أن الجواب يعرفه المتخصصون في الوزارة ــــ في ما لو أراد الخطيب سؤالهم ــــ كما يعرفه الكثير من الخبراء، وفحواه أن لا قدرة للبلديات ولا لاتحاداتها على ادارة هذا الملف وحدها، وأن المطلوب أن تضع وزارة البيئة استراتيجية وخطة مركزية شاملة لادارته، تحدّد من خلالها الأدوار اللامركزية للبلديات واتحادات البلديات، وليس العكس!
السؤال الثاني الأكثر وضوحاً: ما معنى أن يسأل الوزير البلديات عن خططها، في وقت قرّرت الحكومة خطة مركزية لانشاء محارق في المدن الكبرى، بقدرة 3600 طن يومياً، لمعالجة أكثر من نصف نفايات بلديات لبنان، فيما لم تنجز بعد أي خطة لتحديد الخيارات الاستراتيجية حول كيفية ادارة هذا الملف؟!
أيضاً، أن يسأل وزير البيئة البلديات عن نفاياتها «الصلبة» فقط، وليس عن تلك السائلة الأكثر خطورة على المدن والقرى والسكان، والتي تترك الكثير من الآثار السلبية على سلامة التربة والغذاء والمياه والصحة العامة، فهذا معناه أن من أعدّوا الاستمارة، لم يربطوها بخطط استراتيجية هادفة، إما لقلة معرفة وخبرة، أو لاهداف مقصودة، قد لا تكون حميدة بالطبع!
وقد لاحظ المراقبون، أيضاً، أن معظم اسئلة الاستمارة كانت تعجيزية، لدفع البلديات الى قبول الحلول المركزية التي اقترحتها الحكومة وذهبت الى مؤتمر «سيدر» الباريسي لطلب تمويلها! وهذا التوجه كان مقصوداً، وقد لاحظه المعنيون منذ تلقيهم التعميم الذي أنهاه الوزير بالعبارة الآتية: «اية بلدية او بلدة لا تستجيب لهذا التعميم ضمن المهلة المحددة (شهر بداية)، تندرج ضمن الفئة العاجزة عن ادارة نفاياتها، وبالتالي (...) تُشمل ضمن المشاريع المركزية الملحوظة في ملخص السياسة المستدامة لإدارة النفايات الصلبة». فهل كان المطلوب، منذ البداية، تعجيز البلديات لتقبل بالحلول المركزية المقترحة، وهي كناية عن مشاريع ــــ صفقات، وليست ناجمة عن استراتيجيات وحلول مستدامة ومدروسة؟
اما اللجنة التي شكّلها وزير البيئة لتواكب قرارات الحكومة، فمن الواضح أن تشكيلها لم يأت من ضمن مخطط استراتيجي واضح المعالم يهدف الى إجراء مشاورات حقيقية مع الأطراف كافة لمشاركتها في الرأي والقرار وفي تحمّل المسؤولية، وإنما لتغطية القرارات المتخذة. بدليل أن هذه اللجنة، على رغم حساسية الملف، لم تعقد الا اجتماعاً واحداً غير مكتمل للتعارف في 16 شباط الماضي، واجتماعاً رسمياً ثانياً، وأخيراً، في 26 من الشهر نفسه!
فلو كان وزير البيئة جدياً في مقترحاته، ومهتماً بتقييم ورش العمل التي نظّمها مع البلديات والجمعيات، وبرأي أعضاء اللجنة التي اختارها وتضم ممثلين عن الوزارات المعنية اضافة الى القطاع الخاص والقطاع الأهلي والأكاديمي… لكان اهتم بعقد اجتماع معهم لمناقشة سياساته المقترحة أكثر من اهتمامه بالانتخابات النيابية (كمرشح) وبالرد على منافسيه في الانتخابات، ولكان اهتم بالاجابة على ما طرحه بعض اعضاء اللجنة، منذ تشكيلها، عن مهمتها، وعن موعد اجتماعها التالي، بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على تشكيلها!
فهل من حاجة لتكرار التجارب والدروس، مرة اخرى، بعد كل كارثة، بضرورة فصل النيابة عن الوزارة وعدم استسهال الكتل النيابية والحزبية والسياسية اختيار من يمثلها في وزارات حساسة كوزارة البيئة؟ ام اصبح قدر البيئة في لبنان الانتقال من كارثة الى... كارثة اكبر؟