srong>سحر ناصر
•الإيرادات تذهب إلى الخزينة بدل الإنعاش الاجتماعي!

سئم اللبنانيون وعود الإصلاح، فعلّقوا آمالهم على أرقام تطرق أبوابهم عند الخامسة والنصف من بعد ظهر يومي الثلاثاء والخميس من كل أسبوع. فتتدحرج قلوبهم مع مسار الكرات الست في دواليب اللوتو اللبناني، التي ترسم الفرحة على بعض الوجوه، وتصفع الآلاف بواقع العودة إلى همومهم المعيشية اليومية

«فزت في اللوتو مرتين في عام 2000 و2005، بمبلغ 200 مليون ليرة، واشتريت منزلاً»... لكن أحمد جابر لم يكتف بهذا الربح، فهو لا يزال مثابراً على وسم اللوتو أسبوعياً، آملاً الفوز بالمزيد من المال لا لحاجة معينة، بل لأنه يرى أن «زيادة الخير... خير». وتمثل المراكز المخصصة لوسم اللوتو ملتقى المواطنين من مختلف الفئات والأعمار والانتماءات. ويتسمّر أمام التلفاز يومي الثلاثاء والخميس من كل أسبوع الموظف والمدير، المالك والأجير، الميسور والمحتاج، فما سر هذه اللعبة؟ ومن يديرها؟ ومن يفيد من عائداتها بعد تعطيل الإنعاش الاجتماعي؟ وماذا فعل الفائزون بجوائزهم؟ وماذا يأمل الدائبون إلى الربح؟

900 مليون ليرة لكل سحب

تشرف إدارة اليانصيب الوطني اللبناني على اللوتو، وتمارس رقابتها الكاملة على كل ما يتعلق بتنفيذ عقد التلزيم الذي فازت به «الشركة اللبنانية لألعاب الحظ» في مزايدة عامة أقيمت في عام 2002. وتبلغ حصة مديرية اليانصيب من عائدات مبيعات اللوتو وفق محضر التلزيم 37 في المئة للسنة الأولى، وتزداد حتى نهاية مدة العقد في عام 2009، لتصل حينها إلى 40 في المئة. علماً بأن مجلس الوزراء مدد في جلسته السبت الماضي مدة العقد إلى عام 2010، على أن ترتفع حصة الدولة إلى 42 في المئة.
يقدّر المعدل الوسطي لقيمة مبيعات أوراق اللوتو في كل سحب بنحو 900 مليون ليرة، على أساس معدل وسطي يبلغ 600 ألف شبكة. وسجّل حجم المبيعات في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري زيادة 50 في المئة عن المعدل الذي كان متوقعاً لهذا العام، مع انخفاض نسبة مبيع الشبكات المؤلفة من 9 و10 أرقام إلى 6 في المئة، بعد أن وصلت إلى 15 في المئة من إجمالي المبيعات في الفترة نفسها من العام الماضي.

زيادة في المبيعات

ورغم الهدف الاجتماعي الذي أنشئت من أجله ألعاب الحظ، إلا أن الواردات تذهب إلى خزينة الدولة، بسبب إقفال مصلحة الإنعاش الاجتماعي التي يحق لها وفق القانون الحصول على موارد ألعاب الحظ. ويشير محضر مجلس الوزراء إلى أن مبيعات اللوتو اللبناني وصلت إلى 147 مليار ليرة في عام 2006. ويلحظ تقرير مديرية اليانصيب الوطني عن أعمالها في عام 2006، تراجعاً كبيراً في مبيعات اليانصيب وصل إلى 67.1 في المئة عن تقديرات الموازنة. بينما ارتفعت مبيعات اللوتو إلى 91.5 في المئة. ووصلت حصة الخزينة من إيرادات اللوتو إلى نحو 42 مليار ليرة. أما العائدات الضريبية على الجوائز الإجمالية فوصلت إلى 6 مليار و233 مليون ليرة، وتبوّأت عائدات الضريبة على جوائز اللوتو المركز الأول بـ 4 مليارات و298 مليون ليرة، بينما سجلت عائدات الضريبة على اليانصيب الوطني ملياراً و870 مليون ليرة، في مقابل 74 مليوناً و136 ألف ليرة كعائدات ضريبية على اليانصيب الفوري.

4 آلاف طلب من المتاجر

ويصل عدد مراكز الوسم إلى 1200 مركز، يتوزعون على جميع المناطق اللبنانية التي تتقاسم نسبة المبيعات بطريقة متوازية إلى حد ما. مع الأخذ بالاعتبار زيادة المبيعات في محافظة بيروت وجبل لبنان. وتقول مسؤولة الإعلانات والعلاقات العامة في الشركة اللبنانية لألعاب الحظ، كارين عرموني، إن «الشركة في صدد دراسة ما يفوق 4000 طلب، تقدم بها أصحاب المحال التجارية للحصول على الآت الوسم». وتشير إلى أن «السوق تستوعب المزيد من مراكز الوسم، لكن التريث في الموافقة على الطلبات مردّه عدم تحميل الشبكات المزيد من الضغط». مشيرة إلى أن أصحاب المحال يودون الحصول على آلات الوسم لكونها تمثل مصدر رزق إضافي من ناحية، وتسهم في تسويق بضائعهم من ناحية أخرىويرى أصحاب المحال التجارية أن رواج اللوتو مرده إلى الكلفة المعقولة للورقة التي تبلغ 1500 ليرة، بينما يسجل سعر ورقة اليانصيب 5000 ليرة. وبالتالي، فإن إنفاق 1500 في مقابل الفوز بمبلغ قد يصل إلى مليارات عدّة، يمثِّل حافزاً قوياً للشراء، بالإضافة إلى إجراء السحب مرتين في الأسبوع، ما يضاعف الأمل في تحسين مستوى المعيشة.
وتقول ريما، إحدى الموظفات في مكتبة جيرالد (الحمرا)، إنه «يباع في المتجر ما يقارب 800 شبكة أسبوعياً، ويصل عدد زبائن اللوتو إلى 400، يشكل 80 في المئة منهم زبائن دائمين لوسم اللوتو». لافتة إلى أن «مردود مبيعات اللوتو يفوق مردود الأدوات المكتبية، حيث يتكاثر الزبائن في أيام السحوبات. فلا يخلو الأمر خلال الانتظار من شراء ما يلزمهم من المكتبة، بالتزامن مع وسم اللوتو».
ويتحسر فاروق دكروب، صاحب أحد المحال المتواضعة لوسم اللوتو في بيروت، على تجارته ويقول: «كنت أملك متجرين لبيع الثياب، ومنذ عام 2001 تراكمت ديوني، فقمت ببيع المتجرين، وابتعت بالمبلغ الباقي آلة لوسم اللوتو». ويتابع: «أشتري شبكتين أسبوعياً، وإذا فزت بإحدى الجوائز الكبرى، لن أعيد بناء تجارتي، فالهجرة ملاذي بعد سداد ديوني».

الزبائن من كل الطبقات

ولا يُعدّ الفوز في اللوتو حلم الفقراء فقط، بل هو فرصة إضافية للأغنياء لزيادة أرصدتهم المصرفية. ويلجأ فتحي ضو البالغ من العمر 62 عاماً، إلى وسم اللوتو كلما «استطعت إليه سبيلاً، فأنا أعمل «عتالاً» في منطقة الغبيري، ولا أستطيع أن أنفق أكثر من 3 آلاف ليرة على وسم اللوتو». ويأمل ضوء الفوز بـ 100 ألف دولار أميركي ليؤمّن شيخوخته وطبابته. ويقول: «لا أريد أن أمد يدي إلى أولادي، لأنهم غير قادرين على سداد حاجات أبنائهم، كما أنني لم أعد قادراً على العمل. وخصوصاً أن منافسة العمال الأجانب تضيّق علينا باب الرزق». ويحلم حسن، وهو بائع اليانصيب المتجوّل في منطقة الشياح، والبالغ من العمر 60 عاماً، بأن يربح إحدى الجوائز القيّمة، ليبتاع منزلاً لأولاده الأربعة، ويؤمّن شيخوخته ومستقبل أبنائه.
من جهة أخرى، ينفق المدير المالي في شركة خاصة، إيلي موسى، البالغ من العمر 56 عاماً، نحو 30 ألف ليرة على وسم 15 شبكة قبل كل سحب، بهدف «الاستثمار في مشروع تجاري، وشراء منزل للعائلة». أما جهاد، الموظف في شركة الطيران، والبالغ 39 عاماً، فيبتاع اللوتو مرتين شهرياً، ويرغب في سداد ديونه أولاً، وتأمين معيشته نحو الأفضل.
أما علي حدرج البالغ 17 عاماً، فيقول إنه «إذا فزت بإحدى الجوائز القيّمة، فسأحصل على شقة وسيارة، وأودع المبلغ الباقي في المصرف من دون أن أستثمره».

فائزون محظوظون

وفاز جهاد صعب، البالغ من العمر 24 عاماً، بـ360 ألف دولار أميركي منذ مدّة، وذلك إثر وسمه لشبكتين من اللوتو، بعد أن كان معتاداً على وسم نحو 8 شبكات أسبوعياً. ويؤكد جهاد أنه سينفق «250 ألف دولار لسداد الديون المتراكمة الناجمة من شراء العائلة لشقة، وتراكم فوائد التقسيط للمصرف. ومن ثم سأشتري سيارة وأتابع تعليمي كما في السابق». في حين يؤكد أحمد جابر، الذي فاز في لعبة اللوتو مرتين، أنه سيستمر في شراء أوراق اللوتو لعلّه يفوز مجدداً. ويقول الدكتور في علم الاجتماع، علي بزي، إن «فكرة الربح السريع تغزو العقول في يومنا هذا، حيث يفضل الجميع أن يجمع أكبر قدر ممكن من المال، من دون بذل مجهود يذكر».



اللوتو يواكب التطور

يتوافر إمكان وسم اللوتو اللبناني على شبكات الإنترنت عبر بطاقة الوسم المدفوعة سلفاً، أو بطاقات الاعتماد، ويفيد من هذه الوسيلة المغتربون خاصة. لكنها لا تتعدى 2 في المئة من إجمالي مبيعات اللوتو لغاية الآن. ويغزو اللوتو اللبناني الهواتف الخلوية، بعد إطلاق الشركة للخدمة المدفوعة سلفاً، وفي حال الفوز، يختار صاحب الحظ بين تقاضي الجائزة مباشرة من إدارة اللوتو، أو إضافتها إلى رصيده. وتستعد شركة ألعاب الحظ إلى إدخال لعبتين جديدتين معتمَدتين في معظم الأسواق الأوروبية والأميركية، وهما لعبتا زيد والكينو.