«متل قصص الحب» «مضعضع»، لا يعرف مساره ولا ما يريد الحديث عنه. خلطة قضايا وأحداث احتلت عناوين الصحف ومزاج الرأي العام، في فيلم واحد يمكن وصفه في أحسن الأحوال بأنه ريبورتاج تلفزيوني طويل أكثر منه وثائقياً سينمائياً، حتى إنّ مارسال غانم وبرنامجه «صار الوقت» يحتلّان شاشة السينما لدقائق. لم تعرف الحاج التعامل لا مع شخصياتها ولا مع فيلمها، كأن الفيلم كان شيئاً وانتهى ليكون شيئاً آخر كلياً. بدأ كأنه دعاية انتخابية لجمانة حداد، ثم أصبح يلاحق بيرلا في شوارع بيروت خلال الانتفاضة، وفي الوقت نفسه يجلس مع جورج عند الحلاق وفي بيته ليخبرنا بذكرياته عن الحرب الأهلية، وتعليقاته على ما يحدث بطريقة صادقة فيها الكثير من العفوية. بدت بطلتا الشريط متعاليتان، تصدحان بـ«الأنا». أكثر من نصف الفيلم تتحدث الامرأتان عن نفسيهما، ويتحول الاهتمام الرئيس مما يحدث بشكل عام إلى حياتهما الخاصة.
يفتقد «متل قصص الحب» إلى الإخراج، لا تفقه الحاج حشر شخوصها في زاوية وإخراج ما تريد منهم. بدت كأنها مجرد مصوّرة تتقبّل كل ما يخرج من أفواههم، كأنهم يملكون الحقيقة في كل شيء يحدث، رغم أن بيرلا مثلاً لا تعلم ما هي الشيوعية، وتساوي بين فلسطين وإسرائيل! تسمعنا الحاج كلماتها عن الحياة وصيبة العين، وبيروت وعلاقة الحب التي ساعدتها الانتفاضة الشعبية على التخلّص منها. تنتقد جورج، وتحكم عليه من خلف ظهره لا في وجهه، لتحمّله وكل من شارك في الحرب الأهلية اللبنانية، مسؤولية ما يحدث اليوم في لبنان. هناك استخفاف يتمثل في ما يقال في الفيلم، كأنّ ليس للكلمات أي وزن ولا اعتبار. لا يمكن اختزال الحرب الأهلية ببوسطة عين الرمانة. هذا الاستخفاف ينطبق على لغة الفيلم السينمائية، فهو عبارة عن تجميع مشاهد، بلا مونتاج واضح، ولا مسار معين، يمشي بلا وجهة محددة، يفتقد معرفة التعامل مع كل ما حدث في لبنان. لا يمكن أن ننتج فيلماً يتحدث عن سنوات الاضطراب في لبنان من منظور واحد، ونختزل بذلك كل المكونات الأخرى. ضاع الفيلم وضيّع معه مشاهديه، حتى شخصياته لم نعرف حقاً من هي، كأن الحاج لا تهتم بذلك، وخصوصاً جورج الذي هو أكثر الشخصيات إثارةً للاهتمام.
بدأ كأنه دعاية انتخابية لجمانة حداد، ثم أصبح يلاحق بيرلا في بيروت
الفيلم مصمّم للمشاهد الغربي، وفي الوقت نفسه لا ينجح في الوصول إليه، لأنّ من لا يعرف ما حدث في لبنان، سيبقى جاهلاً بعد مشاهدة الفيلم بسبب قفزاته الزمنية العالية. من يعرف اضطرابات لبنان، لن يخرج بأي جديد. أساء الفيلم التعامل مع ما حدث ويحدث، هذا إن لم نقل استخفّ به. نظر بسطحيّة كبيرة إلى الأحداث، فالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية أشدّ تعقيداً من مجرد شخص سيّئ وشخص جيد. مشت الحاج في فيلمها بجانب الحائط، لم تتجرأ على طرح أي سؤال يمكن أن يعطي فيلمها الثقل والعمق المناسبين. «متل قصص الحب» مجرد مشاهد ومقابلات خالية من المضمون والخلفية. كأنّ الحاج حملت كاميرتها في كل مرة يحدث فيها اضطراب في البلد وذهبت إلى جمانة وبيرلا وجورج، لتسألهم عن أحوالهم وتأخذ منهم تعليقاً على ما يحدث. يصبح الواقع المضطرب مجرد مقاطع فيديو قصيرة ممتدّة على سنوات، ومونتاجها مفيد لإنشاء منتج تجاري مُعبّأ مسبقاً عبر الصور والمشاهد المختزلة والمسحوبة من سياقها، مقارنة بتعقيد الواقع المعاش.