في بداية مسيرته الفنية، انضمّ المغني الشاب محمود الحداد إلى أوركسترا «نقابة الفنانين السوريين»، قبل أن يلتحق بـ «الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية» لمدّة خمس سنوات تقريباً، ثم ينضم إلى فرقة «معهد صلحي الوادي». بعدها، بدأ رحلته كمغنٍ منفرد. حاز الإعجاب ولاقت حفلاته إقبالاً واسعاً، من دون أن يحيد عن درب الأغنية الطربية والفنّ الملتزم. ومع ذلك، يعلم الحداد مسبقاً أنّ الطريق الذي اختاره أكثر صعوبةً من غيره، وقد لا يحقّق الانتشار الذي يطمح إليه إلا بعد تراكم سنوات من الخبرة وتلقي دعم إنتاجي كبير.
في كلّ الأحوال، حاول الحدّاد أن ينوّع في جوهر سهراته على مسارح سوريا، فقدّم أمسية بعنوان «من كلّ قطر أغنية» أدّى فيها من كلّ بلد أغنية تخصّه دون سواه. كما جال على المحافظات السورية بمشروعٍ غنائي حمل اسم «ترامواي سوري»، ليقدّم لاحقاً «مقامات عشق» بهدف تبسيط المقامات الموسيقية للجمهور وتقديم نماذج غنائية عنها، معزّزاً الفكرة بشاشة عرض اعتمدت على الغرافيكس.
وإذا أردنا أن نكون متفائلين، ما زال جزء كبير من الجمهور يميل إلى الطرب الأصيل ويرفض الانصياع لموجات الانحدار والأعمال التجارية المكرورة. من هذا المنطلق، يحرص محمود مع مجموعة من زملائه الموسيقيين والعازفين على تنظيم أمسية طربية أسبوعية بعنوان «ليالي دمشق»، يعيدون عبرها تقديم أغاني أحد عمالقة الفنّ العربي، محاولين تطويع سحر المكان بما يتناسب مع الحالة الفنية التي يقدّمونها.



في حديثٍ أجريناه معه، يقول الحداد: «عملنا على مزيجٍ جميل بين اسم المشروع والمكان. هذا الأخير هو بيت أثري دمشقي بات يرتاده جمهور متعطّش إلى أشياء قديمة محفورة في ذاكرته ووجدانه، لم تتمكن السنين من هزّ مكانتها أبداً». أمّا عن التوقيت والترتيبات الأخرى، فيضيف: «المشروع مستمرّ كلّ يوم إثنين، مع إمكانية التمديد ليوم واحد فقط استجابة لمطالبة الجمهور... حاولنا أن نقدّم في كلّ أمسية معلومات بسيطة قد يجهلها الجمهور عن كلّ فنان نحيي أغانيه».
ما يميّز «ليالي دمشق» في رأي المغني السوري هو «الدمج بين المسرح والبيت الدمشقي القديم في إطارٍ ملتزم مخصّص للاستماع من دون أي تمييز أو ترك فرصة للحجز المسبق... أي إنّ الأولوية لمن يحضر أوّلاً. وقد حقّقت الأمسيات تفاعلاً كبيراً في أوساط الناس على طريقة المهرجانات... غالباً ما تتوقف الموسيقى لنستمع إلى مئات الأشخاص وهم يغنون ككورال وسط أجواء مهيبة». في هذا السياق، يلفت الفنان الشباب إلى أنّ الأغاني تُقدَّم «من الأقدم إلى الأحدث، مع التنويع في أعمال الملحنين الذين عمل معهم عمالقة الفنّ العربي».
يحاول المشروع إعادة إحياء التراث والطرب الأصيل مع الإصرار على عدم ترك الساحة كاملةً للنوع الاستهلاكي والموسيقى المبتذلة.