كان ملحم بركات (1945ــــــ 2016) صاحب روح جميلة وأسلوب جذاب في سرد القصص التي صادفته في حياته. في إحدى حلقات برنامج «صولا» الذي قدمته أصالة نصري، حلّ الفنان الراحل ضيفاً إلى جانب المقدم جورج قرداحي. يومها، قصّ بركات حكاية ممتعة حول أغنية «على بابي واقف قمرين» التي كُتبت في دمشق. بإبتسامته الواسعة وثقته الزائدة، قال بركات «كنت في فندق «الشيراتون» في دمشق الذي كان يشهد أهم الحفلات والسهرات. أعجبت بسيدة جميلة كانت تجلس يومياً في الصالة، لكنها ترفض بإستمرار الاستجابة لدعواتي للتعرّف إليها، إلى أن أتى صديقي الشاعر الراحل شفيق المغربي وجلسنا في إحدى الليالي نراقب ظهور القمر في «الشيراتون» الذي كان يبدو بمنظر خلاب. يومها سألته عن جمال تلك المرأة، سكت قليلاً وخرج بأبيات للاغنية التي تقول «على بابي واقف قمرين واحد بالسما والتاني أغلى من العين بيفهم بالوما». تابع الفنان الراحل سرد حكايته «لم يأخذ لحن الأغنية معي أكثر من ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع أحيت حفلة في «الشيراتون» وقدمت «على بابي واقف قمرين». مساءً طُرق بابي، وكانت المفاجآة أن تلك المرأة قصدتني لتسأل لمن كُتبت تلك الأغنية، فأجبتها بأنها لك»! هي واحدة من حكاية الفنّ التي شهدتها دمشق في عزّ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. لكن جاءت الحرب في سوريا، لتدمّر كل شيء وتحديداً الحياة الفنية التي كانت معروفة في دمشق حيث فتحت ذراعيها لأهم الفنانين العرب واللبنانيين.
بعد سنوات الحرب والدمار، يحاول القائمون على الحفلات في سوريا أن يستعيدوا بعضاً من وهجها. وكانت حفلتا هاني شاكر في «دار الاوبرا» في دمشق الأسبوع الماضي، خير دليل على سعي السوريين لعودة الحياة الى بلادهم من باب الفنّ. وتحمل الحفلات رسائل سياسية مبطنة بأنّ سوريا بخير.
هكذا، أحدثت حفلتا شاكر ضجة بسبب الاقبال على شراء البطاقات، إضافة إلى الترحيب الكبير بالمغني بعد غياب سنوات طويلة.
لكن لن يكون شاكر آخر الواصلين إلى دمشق، بل يبدو أن لائحة طويلة من النجوم ستصل قريباً إلى العاصمة السورية.
في هذا السياق، يتردد في الساحة الفنية أن كاظم الساهر يتحضّر لإقامة حفلة «دار الاوبرا» في دمشق منتصف شهر تشرين الأول (اكتوبر) المقبل. ويجري التفاوض حالياً مع الفنان العراقي لتثبيت موعد سهرته، بعد الاتفاق على المستلزمات المالية. وقد إرتأى القائمون على الدار إستضافة الساهر لمكانته الفنية وأغانيه التي أحدثت ثورة رومانسية.
من جانبه، ينفي مدير عام «دار الأسد للثقافة والفنون» اندريه معلولي لنا معرفته بحفلة الساهر، قائلاً بأن «لا شيء مثبتاً حالياً. لقد كان تأثير حفلة هاني شاكر كبيراً ووصل صداها إلى البعيد، بالتأكيد هناك حديث عن فنانين عرب ولكن لم يتم التأكيد معهم».
رغم تصريحات معلولي، إلا أنّ مصدراً مقرّباً منه يؤكد أن إدارة «دار الاوبرا» لا يمكنها الإعلان عن السهرة حالياً، إلا بعد الانتهاء من جميع الترتيبات الخاصة بالحفلة.
على الضفة نفسها، يبدو أن سبحة الفنانين المصريين الذين سيحيون حفلات في دمشق، ستكرّ في الايام القليلة المقبلة. إذ يحكى عن إحياء محمد رمضان حفلة في دمشق الاسبوع المقبل. كذلك يجري تداول إسم المغني إيهاب توفيق الذي سيحيي سهرة أيضاً في سوريا.
هكذا، تحاول دمشق إستعادة بريقها الفني الذي فقدته إثر الدمار الذي حلّ بها، لتذكر محبي الفنّ بأنها كانت عاصمة الفن ودعمت أهم الفنانين العرب من الاخوين الرحباني وصباح وصولاً الى الجيل الجديد من نجوى كرم وملحم زين ومعين شريف.