ليس مشهداً مقتبساً من عرض «كباريه سياسي» (الشانسونييه، أو مسرح الساعة العاشرة) ولا حتى لقطة هاربة من مادة تلفزيونية استهلاكية عابرة، كما أنّه ليس مقلباً سمجاً، من تلك التي باتت منصّات التواصل الاجتماعي الرديئة تقصفنا بها! بل هو مشهد حياتي سوري موغل في الواقعية: بينما كنّا نصطفّ ضمن طابور طويل وبعد مشاجرة عابرة مع شخص وصل بعدنا وأصرّ أن يقف قبلنا، زفت رسالة قصيرة خبراً يبشّرنا بإمكانية استبدال أسطوانة الغاز إثر انتظار دام أربعة أشهر. شخصياً قصدت مكان الموزّع المعتمد بسيارة أجرة، لأنّ رسالة البنزين لم تصل منذ 15 يوماً وكنت قد اشتريت لتوّي ماء بارداً من البقالة التي يملك صاحبها مولداً كهربائياً يعمل على وقود السوق السوداء، لأنّ التقنين بلغ ذروته. فإذا برسالة تصلنا فيها بطاقة دعوة، يا محاسن الصدف! تزامنت الدعوة في هذا التوقيت، ربّما من أجل تخفيف حنق الموقف، لكنّها كانت تقول: تحت رعاية وزارة النفط والثروة المعدنية، تتشرف مجموعة مشهداني الدولية لدعوتكم إلى زيارة معرض سورية الدولي الثالث للبترول والغاز والطاقة!أوّل ما خطر لنا: ترى هل المعرض مخصص للأشياء النادرة، أو الأثرية في سوريا؟ ثم بشكل عفوي نكزت الشخص الذي تشاجرت معه قبل قليل وطلبت منه أن يقرأ، لندخل معاً نوبة ضحك هستيرية، حتى سالت دموعنا. لا نعرف إن كان من شدة الضحك، أم أنه القهر المتراكم ينتظر فرصة مواتية ليسيل على شكل مشاعر لم تعد أجسامنا المنهكة قادرة على السيطرة عليها!
هنا الجمهورية العربية السورية، معقل البعث وربوع الاشتراكية، التي تعيش في ظلام دامس بعدما انتصرت على الحرب الكونية، وهي اليوم تثبت العجب عندما نعيش هذا المشهد الواقعي بمنتهى العبثية.
في اليوم الذي يليه، وعلى مسرح قلعة دمشق، حصل معادل موضعي لهذا المشهد، لكن هذه المرّة على طريقة النجم ناصيف زيتون الذي كان يرتدي بدلة مبتكرة قريبة من اللون الخاكي، ويطل على جمهوره بصورة تشبه طلاب الثانوي في حي القصّاع، أي الوجه المشرق للمدينة، وبينما كان «أبو الياس» يغني «ع الشام خدوني»، ردّت عليه الشام بصورة بليغة وقطعت عنه الكهرباء! ليكون هذا المشهد هو الحدث. وكأنّ المدينة تقول له بصوت «إم سعيد الرز» (شخصية جسّدها النجم أيمن رضا في بقعة ضوء): «حاجتك بقى بتقضيها داير ببلاد الله الواسعة من مكان لمكان، وبعدين جاي تغني عَ الشام خدوني...». جرّب العتمة إذاً!