تحتفظ دمشق دوماً ببعض الأسرار لنفسها، وتظلّ الكثير من حاراتها القديمة بمثابة مخبأ لا تعرف غالبية سكّانها الوصول إليه. مهمة استكشاف مطارح مغمورة ومترفة بالقدم، تحتاج لشخص مثل خلدون قتلان. الكاتب السوري الذي حفر بالصخر، وما زال، حتّى تمكّن من بناء مساحة شخصية له على المستوى المهني، يستمتع بأن يلعب دور الدليل السياحي لرفاقه في دمشق القديمة تحديداً، لأنّه ينحدر من هذه المدينة داخل سورها! «شامي من جوّات السور»، كما يتباهى الدمشقيون بنسبهم! العشق القديم لمدينته سيجعله ينهمك دائماً بإنجاز قصص درامية عنها وعن تاريخها، تزيد من اهتمامه بالحياة الاجتماعية والحكايا المعاصرة. على هذه الهيئة، ينجز كاتب «زهرة النرجس» (إخراج رامي حنا) بطريقة تشبه المشروع المتلاحق. لن تثنيه غالباً الظروف الاقتصادية الصعبة، كما أنّه يملك حسّ دعابة يجعله يتعامل مع مزاح أصدقائه بخفة ظل وذكاء.«الفن صورة من صور خلق الله، تتجسّد في الموهبة التي يتركها عند كلّ فنان، ويريد لها أن تتجلى بالصورة والكلمة واللوحة. لكن مهما أبدعت واجتهدت وأنجزت، هذه الموهبة لن تتخطى خالقها! فسبحان من خلق هذا الكون وقال له كن فكان، وتبارك الله أحسن الخالقين». يعيد السيناريست خلدون قتلان كلمات تردّدها إحدى شخصيات مسلسله «جوقة عزيزة» (إخراج تامر اسحق وإنتاج «غولدن لاين» وبطولة : نسرين طافش، سلوم حداد، أيمن رضا، محمد حداقي، وفاء موصللي، نورا رحّال، روبين عيسى، يزن خليل، سليم صبري، عاصم حوّاط وغيرهم)، الذي دارت كاميراته قبل أيّام في الشام. ثم يضيف قتلان: «ربما تلخص الكلمات السابقة التي تعتبر لازمة ومفتاحاً درامياً لإحدى شخصيات قصّة العمل بشكل عام. مسلسل «جوقة عزيزة» حكاية تنلقنا إلى سنة هامة من سنوات الانتداب الفرنسي، وإلى مكان منسي في دمشق، لنقل أحداث متخيلة في شارع محدد بالاسم، والعلامات المعرفة حتى وقتنا هذا كإحدى أهم زوايا الأولياء في دمشق، وقد أسهم هذا المكان في إحياء الحركة الفنية في دمشق في تلك الفترة، تلك الحركة التي ازدهرت بعد ذلك على يد المجدّدين، على رأسهم الراحل الكبير عبد اللطيف فتحي الذي قدّم أوّل عرض مسرحي باللهجة المحلية سنة 1948».
فماذا كان شكل المسرح قبل ذلك؟ وكيف كان الناس ينظرون إلى أهل الفن عموماً؟! يحاول المسلسل المرتقب الإجابة عن هذَيْن السؤالَيْن من خلال حكايته. كذلك يمكن القول إنّ «جوقة عزيزة»، بحسب كاتبه، بمثابة ورقة تناقش ثلاثة محاور رئيسة هي: الفن، الدين والسياسية. هنا، نحن لسنا أمام مسلسل شامي، إنّما دراما شعبية تحتفظ باسم النص مثلما هو الورق لتنقله للشاشات، وتقدّم «شخصيات مختلفة من حيث البناء واللغة. لعلّهم يشبهون أبناء تلك الأحياء ويتحدثون بلجتهم العتيقة، ويحملون في جعبتهم الأمل في غد أفضل ودولة يحكمها أبناؤها»، يشرح كاتب «قناديل العشّاق» (إخراج سيف السبيعي). ويختم بالقول: «لعلّ المقترح الدرامي يخلص إلى قاعدة مرجعية لا بد من أن نحتكم إليها اليوم في ظل التطرّف والأصولية التي تستشري في مناطق عديدة والقاعدة تفيد بأنّ الفن ليس حراماً».