«آخر نوْرسات تلفزيون لبنان»، بهذه العبارة نعت الشاعرة مريم شقير أبو جودة الممثلة والإعلامية نهى الخطيب سعادة (1944ــ 2018). ترافق ذلك مع منشورات رثائية بالجملة، لنجوم كبار عاصروا «سيّدة الشاشة الفضية»، وآخرين رافقوها في مشوارها الذهبي، كمشاهدين للشاشة الرسمية. أوّل من أمس، انطفأت «أيقونة الشاشة الصغيرة» عن عمر ناهز 74 عاماً، منهية درباً شاقاً من الآلام، منعها من الظهور مجدداً تحت الأضواء منذ أكثر من ربع قرن، إثر حادث سير تعرّضت له في منتصف التسعينيات.بخبر وفاتها، حفّزت نهى النوستالجيا لدى جيل السبعينيات والثمانينيات. اسم جديد يرتحل من زمن التلفزيون الأبيض والأسود، تلك الفترة الذهبية التي لن تتكرّر في «بلاد الأرز».
بالإضافة إلى اللباقة وإتقان اللغة العربية الفصحى أو العامية، تختصر سعادة صورة امرأة تتّسم بالرقة والكياسة.
في عمر الـ 18، بدأت سعادة رحلتها نحو عالم الشهرة والأضواء. في عام 1962، انطلقت الفتاة الآتية من عالم الأدب والفلسفة، كمذيعة ربط على الشاشة الرسمية، لتدخل بعدها عالم الدراما مع مسلسل «الخديعة» (إخراج إيلي سعادة ــ 1973) إلى جانب عبد المجيد مجذوب وألفيرا يونس ومحمود سعيد وجوزيف نانو. بعدها، ستكرّ سُبحَة المسلسلات، أشهرها: «لمن تغني الطيور» (1977)، و«النهر» (1975)، و«غرباء» (1982)، و«الجوال» (1973)، و«مياسة» (1979). كذلك كان لها الحظ الوافر في مرافقة «ظريف لبنان»، نجيب حنكش (1931 ــ 1977).
في زمن الحرب والانقسام المناطقي والطائفي، كانت سعادة تردّد على الدوام :«إياكم واليأس، فلبنان باقٍ». يومها وفي هذا الزمن الرديء، تحدّت ابنة بلدة شحيم (إقليم الخروب) التفرقة السائدة في بلدها، واقترنت بإيلي سعادة، الذي يُعَدّ من أهم المخرجين في تلك الفترة، لتنضم بذلك إلى زميلتَيْها، الراحلة هند أبي اللمع التي تزوّجت المخرج أنطوان ريمي، والإعلامية المخضرمة جاندارك أبو زيد التي اقترنت بالمخرج جان فياض.
نهى الخطيب سعادة التي غُيّبت قسراً عن الشاشة منذ أكثر من 25 عاماً، عاد اسمها إلى الواجهة مع وفاتها، لتلتحق بركب رفاق ورفيقات صنعوا لحظات خالدة في عالم التلفزيون والدراما، وغادروا دنيانا بصمت، تاركين بصماتهم عبر أرشيف غني وإنتاجات خالدة.