ألقت الأزمة بثقلها على العاملين في مختلف القطاعات الاقتصادية. يظهر هذا الأمر من خلال مؤشرات عدّة، مثل قدرتهم في الحصول على الخدمات الأساسية كالصحّة والتعليم والكهرباء وغيرها. إلا أنه يمكن معرفة مدى وطأة الأزمة من خلال معاينة آليات إدارة الأزمة. فمع تآكل القدرة الشرائية للأجور، أصبح على العاملين في مختلف القطاعات إيجاد مصادر جديدة للحصول على ما يكفيهم من غذاء ومسكن وأمور أساسيّة للحياة. وأحد المصادر البديلة التي استخدمها العاملون هي استخدام مدخراتهم أو بيع أحد أصولهم للحصول على سيولة تساهم في قدرتهم على تعويض جزء مما خسروه بسبب انخفاض قيمة أجورهم.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

ارتفع معدّل الأجور الوسطي بنسبة 134% منذ عام 2019 حتى اليوم، إلا أن ذلك ليس كافياً لتغطية الغلاء في المعيشة، إذ بلغ التضخّم التراكمي منذ ذلك الوقت نحو 1000%. بمعنى آخر، الأجور الحقيقيّة تآكلت بشكل هائل وهذا الأمر استدعى الأسر إلى اتخاذ إجراءات طارئة لإبقاء قدرتهم على استهلاك المواد الأساسيّة التي يحتاجونها للعيش. هذا الأمر جعل العديد من الأسر تتخلّى عن المدخرات التي تركوها جانباً في الماضي أو أصول كانت تعتبر جزءاً من ثرواتهم، من أجل الحصول على الغذاء أو السكن أو الطبابة أو غيرها من الأمور التي لا يمكن العيش من دونها.
تدلّ هذه المؤشرات على الانعكاسات الخطيرة التي تسببت بها الأزمة على حياة الأسر اللبنانية العاملة في مختلف القطاعات. والمشكلة في هذا النوع من آليات التعامل مع الأزمة أن الموارد المستخدمة لتغطية العجز بسبب تآكل الأجور هي موارد قابلة للفناء. فإذا طالت الأزمة وبقي هؤلاء يستهلكون مدخراتهم وأصولهم، يصل الأمر إلى نقطة معينة تنتهي فيها هذه المدخرات والأصول، وعندها سيكون وضع هؤلاء صعب جداً. هذا يعني أن عدم الوصول إلى وضع اقتصادي يعيد القدرة الشرائية للأجور إلى مستوى تستطيع من خلاله الأسر اللبنانية تحمّل نفقات الأمور الأساسيّة، يضع هذه الأسر في دائرة الخطر.
من ناحية أخرى، إن تسييل الأسر لمدخراتها وأصولها بهدف استهلاك المواد الأساسية يسهم في ازدياد فجوة اللامساواة في الاقتصاد اللبناني. فمع بيع الأسر للأصول واستخدامها للمدخرات، هي تستغني عن ثرواتها من أجل الاستهلاك، أي أنها تخسر أجزاء كبيرة من ثرواتها. في المقابل، هذه الأصول والمدخرات ستذهب إلى أطراف أخرى في الاقتصاد، وهي على الأرجح تكون تابعة للأغنياء الذين ستزداد ثرواتهم في مقابل تآكل ثروات الأسر الأكثر فقراً، ما يسهم في ازدياد فجوة اللامساواة في المجتمع.