لأول مرّة منذ انطلاق التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري نشرت وسيلة إعلامية أمس جزءاً من محضر رسمي صدر، على ما يبدو، عن مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية دانيال بلمار. فجميع المستندات الرسمية التي نشرت بعد تسريبها الى وسائل الإعلام سابقاً والتسجيلات الصوتية لمقابلات واستجوابات وغيرها من المعلومات «السرّية» يعود تاريخها الى الحقبة التي سبقت انطلاق عمل المحكمة الدولية في 1 آذار 2009.أما ما تسرّب عن مكتب بلمار أمس ونشرته إحدى الصحف على صفحتها الأولى، فبدا جزءاً من محضر وضعه موظف دولي في تاريخ أتى بعد 22 شباط 2011، إذ إن المحضر يذكر وقائع اجتماع عُقد بين المحققين الدوليين والعميد بيار سالم (مسؤول في مكتب وزير الداخلية والبلديات) خلال هذا اليوم.
يستدعي هذا التسريب المشبوه إشارة إلى الآتي:
أولاً، إن مضمون المستند المنشور وصياغته يشيران الى أنه جزء من محضر وضعه أحد الموظفين التابعين لمكتب بلمار، ولم يصدر أمس عن المحكمة الدولية بيان ينفي صحّة ذلك. لم «يستشعر» بلمار «ضرورة للردّ»، إذ إن تقرير القاضي أنطونيو كاسيزي السنوي أشار الى أن مكتب المدعي العام «انتقائي في إصدار بيانات صحافية رئيسية (...) وذلك عندما يستشعر ضرورة للرد على معلومات خاطئة أو معلومات مضللة» (صفحة 27).
ثانياً، كيف يمكن أن تثق وزارة الداخلية والبلديات بمكتب المدعي العام الدولي الذي تتسرّب منه معلومات يفترض أن تبقى سرّية. فبعد تسرّب مستندات التحقيق الدولي الى وسائل إعلام كندية وألمانية وفرنسية واعتراف بلمار بذلك، وبعد تسرّب تسجيلات صوتية لمقابلات مع شهود، وبعد هذا التسريب لما بدا جزءاً من محضر سرّي، يمكن الجزم بأن أي معلومات تسلّمها الإدارات الرسمية في الجمهورية اللبنانية إلى المحكمة الدولية بصفة سرّية يمكن أن تتسرّب الى وسائل الإعلام. ما الذي يمنع، بالتالي، تسريبها الى جهات معادية للبنان؟
ثالثاً، صدر أمس توضيح من وزارة الداخلية والبلديات جاء فيه أنه «ورد إلى الوزارة طلب رسمي وخطي يرمي إلى الحصول على البصمات المتوفرة لدى وزارة الداخلية والبلديات، دون تحديد عددها». لا شكّ في أن هذا الطلب يتجاوز المعايير الحقوقية التي تقتضي الحفاظ على الخصوصية الفردية للبنانيين ولا تجيز مذكرة التفاهم التي وقّعها وزير العدل إبراهيم نجّار مع النائب العام دانيال بلمار في 5 حزيران 2009 تجاوز حقوق الناس. فالمذكرة تشير الى «تسهيل الوصول الى ما يتطلّبه التحقيق من أمكنة ومواقع وأشخاص ومستندات ذات صلة». كيف تكون بصمات 4 ملايين لبناني «ذات صلة» بالتحقيق الدولي في جريمة محدّدة؟
ليطلب بلمار، على سبيل الافتراض، كامل سجل البصمات من وزارة الداخلية الكندية أو في أي بلد آخر. وليسمع الجواب.
رابعاً، إن الحفاظ على سرّية المعلومات والوثائق التي بحوزة التحقيق الدولي هو من مسؤوليات المدعي العام دانيال بلمار، وأي إخفاق في حماية تلك المعلومات والوثائق قد يعدّ تسهيلاً لتسريبها، خصوصاً بعد تعدّد التسريبات وتكرّرها. ولا بدّ من الإشارة الى توقيت هذا التسريب المشبوه الأخير، أي أثناء عملية تأليف الحكومة، وكأن المقصود إقصاء المحامي زياد بارود عن مركز وزير الداخلية والبلديات بحجّة واهية بأنه لا يرضخ لطلبات المحكمة الدولية.