ياسين تملالي *«ملف إيران النووي»، عبارة نسمعها ونقرأها يومياً في وسائل الإعلام. ماذا عن هذا «الملف» وماذا عن «الجمهورية الإسلامية» بعيداً عن كليشيه «دولة الملالي»؟ الجواب عن هذين السؤالين وغيرهما موضوع كتاب للصحافي الإيراني المعارض، بهمان نيرومند، عنوانه «إيران: نحو الكارثة» صدر عن منشورات «أكت سود» (فرنسا) مترجماً من الألمانية إلى الفرنسية. وينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين، أولهما مخصص لتاريخ المشروع النووي الإيراني منذ العهد الملكي، وثانيهما لتاريخ إيران السياسي والاجتماعي منذ استيلاء رجال الدين على السلطة في 1979. يقول المؤلف في مقدمة القسم الأول إن الطموحات النووية الإيرانية ليست في حدّ ذاتها سبب الصراع بين طهران وواشنطن، وإن سبب تأجج هذا الصراع في السنوات الأخيرة هو اصطدام عزم واشنطن على بسط سيطرتها كاملة على المنطقة بتجدد رغبة إيران في التحول إلى مركز أممية إسلامية جديدة: «يكفي النظر إلى خارطة الشرقين الأدنى والأوسط الحالية كي نرى أن لأميركا وجوداً عسكرياً في كل مكان عدا سوريا وإيران، وتستهدف استراتيجيتها اليوم ملء هاتين الثغرتين لإخضاع المنطقة جميعها لسيطرتها المطلقة».
وجاء القسم الأول من الكتاب في صورة تحقيق دقيق تتبّع تاريخ «النووي الإيراني» منذ ميلاده (في عهد الشاه، وبمساعدة أوروبية وأميركية، وجب التذكير) وقوّض دعائم الأطروحة التي تؤكد أن إيران «في طور تصنيع السلاح الذري» إن لم تكن تمتلكه. ويعتمد هذا التحقيق على العديد من الوثائق، منها تقرير لوكالة الاستخبارات الأميركية أفاد في 2004 بأن لا دليل في الوقت الحالي على أن المشاريع النووية الإيرانية «غير مدنية» وتقارير للوكالة الدولية للطاقة الذرية تنفي وجود براهين على شروع إيران في إنتاج القنبلة النووية.
ومن دون إبداء أي تعاطف مع النظام الإيراني، يذكّر الكاتب بالمفارقات التي تطبع مواقف «المجموعة الدولية» في هذا الملف الشائك. وأبرزها أن الدول العظمى تريد حرمان إيران من حقها المشروع في امتلاك «النووي المدني» ولا ترى بأساً في امتلاك باكستان والهند وإسرائيل «النووي العسكري». ويستنتج بهمان نيرومند من هذه المفارقة خلط القوى العظمى بين رغبتها في منع إيران من صنع القنبلة الذرية ورغبتها في الإطاحة بـ«نظام الملالي» واستبداله بنظام موال لها، ويستغرب مواقف فرنسا وبريطانيا وألمانيا المؤيدة لأميركا، بالرغم من أن هذه الدول ستتضرر أكثر من واشنطن من أي حرب قد تجري في المنطقة، خاصة أنها دول غير نفطية وأن استثماراتها في الجمهورية الإسلامية لا يستهان بها.
وعلى ضوء معرفته بتشكيلة النظام الإسلامي وتاريخه والصراعات التي تهز أركانه، يحلّل بهمان نيرومند مواقف القادة الإيرانيين من اتهامات أميركا والاتحاد الأوروبي لهم بتصنيع السلاح الذري سرّاً، ويلح على ما يطبع هذه المواقف من تذبذب بين الاستعداد لفتح المنشآت النووية للتفتيش ورفض وضع النووي الإيراني «تحت الحراسة». هذا التذبذب، يقول، هو في جزء كبير منه انعكاس لتغير موازين القوى داخل السلطة بين «المتشددين» و«الإصلاحيين» الداعين إلى سياسة «مرنة» تجاه واشنطن والغرب على وجه عام.
ويجزم بهمان نيرومند بأن «المسألة النووية» وسيلة تعبئة جماهيرية حول النظام الإسلامي، قائلاً إنّ وظيفتها في سياسة أحمدي نجاد الداخلية هي وظيفة الحرب العراقية الإيرانية نفسها في الثمانينيات. فبذريعة «درء خطر الشيطان الأكبر»، يُبسَط نفوذ الإسلاميين على المجتمع وتحجب الصحف المعارضة ويلقى بغير الإسلاميين في السجون.
تصلّب المواقف الأميركية، يقول الكاتب، يعزّز موقف القادة الإيرانيين أكثر مما يضعفه. ومن هذا المنطلق، فإن النظامين الأميركي والإيراني يتبادلان خدمات جليلة: جورج بوش محتاج إلى خطب أحمدي نجاد النارية عن «كذبة أوشفيتز» لتبرير «الحرب على الإرهاب»، والرئيس الإيراني محتاج إلى خطاب جورج بوش التوسعي للتخلص من خصومه السياسيين.
ويتطرق القسم الثاني من الكتاب إلى الوضع في إيران، مستنيراً بمقدمة تاريخية عن نظام الشاه وأحداث الثورة الإسلامية ومجزرة «حرب الخليج الأولى». ولا يمنع الكاتب كونه معارضاً من التذكير بأن النظام الإسلامي وليد ثورة شعبية لا انقلاب عسكري، وأن استناده إلى قاعدة جماهيرية حقيقية ـــ ليست الميليشيات سوى الجزء الظاهر منها ـــ أحد العوامل التي تفسر استمراره، بالرغم من تواتر الضغوط الأميركية والأوروبية عليه منذ أكثر من ربع قرن.
وفي هذا القسم الثاني، يسلط بهمان نيرومند الضوء على نظام الحكم في طهران، واصفاً مؤسساته وصلاحيات كل واحدة منها، ويستنتج من هذا الوصف التفصيلي أن النظام الإسلامي أبعد ما يكون عن الديموقراطية. والدليل على ذلك، يقول، ليس فقط حظر الأحزاب التي تعارض تطبيق الشريعة بل أيضاً تغلب صلاحيات «قائد الثورة»، غير المنتخب من الشعب، على صلاحيات رئيس الجمهورية والبرلمان، وكلاهما منتخبان بالاقتراع السري المباشر.
ولا يمنع هذا الاستنتاج الكاتب من تأكيد وجود تعددية حقيقية داخل الحقل الإسلامي، وتمتع التيارات الإسلامية بدرجة لا بأس بها من حرية التعبير والتنظيم والعمل السياسي.
من هم «الملالي» وهل يمكن اعتبارهم «إكليروساً»؟ من خلال استعراضه لتاريخ التشيع في إيران، يخلص بهمان نيرومند إلى أن اعتبارهم إكليروساً شبيهاً بالإكليروس الكاثوليكي خطأ كبير. لا أثر في إيران، يقول، لأية تراتبية هرمية بين رجال الدين، فالألقاب كـ«حجة الإسلام» و«آية الله» ليست مراتب في سلّم إكليروسي، ولا يتطلّب الحصول عليها الانتماء إلى مؤسسة دينية منظمة، هي غير موجودة من أساسه. الحصول على هذه الألقاب يأتي عن طريق نوع من الاستفتاء الشعبي غير المباشر، فالمستمعون إلى عظات علماء الدين وقارئو كتبهم هم من يقررون أية درجة من الإجلال يستحقون، وكلما ذاع صيت «مرجعية» وازدادت شعبيتها ارتقت سلّم الألقاب الدينية ولو لم يحلُ ذلك لغيرها من «المرجعيات».
فشلت سياسة خاتمي لأنها اكتفت بمحاولة إحداث تغيير سياسي طفيف في البلاد ولم تعالج الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، واستولت الأجنحة المحافظة، ممثلة في أحمدي نجاد، على معظم مراكز السلطة الحساسة. ما هو مستقبل إيران؟ بالرغم من انتصارات المحافظين المتوالية، يقول بهمان نيرومند، يمكن الجزم بأن مشروع «أسلمة المجتمع» كما خطط له آية الله الخميني فشل فشلاً ذريعاً، وأن النظام يتخبط في تناقضات كانت ستعصف به لولا تهديد أميركا وإسرائيل بإطاحته. ويعطي المؤلف على هذه التناقضات أمثلة عديدة، منها تناقضات سياسة الرقابة الدينية على الإنترنت. ففي إيران، يقول، «قائمة سوداء» بكلمات ذات إيحاءات جنسية لا يحظى من كتبها في محرك بحث بغير صفحة «واب» بيضاء.
المشكلة أن بعض هذه الكلمات تنتمي إلى القواميس العلمية، وأنها كثيراً ما ترد في عظات رجال الدين المحذرة من «الانحلال الخلقي» و«تأثيرات الغرب الهدامة». نتيجة الرقابة هنا ليست فقط الحد من إمكانات البحث العلمي على الإنترنت: هي أيضاً حجب خطب أساطين النظام عن الشبان الإيرانيين!
* كاتب جزائري


العنوان الأصلي
L’Iran: vers le»
«?désastre

المؤلف
بهمان نيرومند

الناشر
Actes Sud
(فرنسا)