عاد الرسام رمزي أبو غنام من باريس ليستقر في لبنان. يستلهم الشاب أفكاراً للوحاته من طبيعة مدينة جونية المختلفة عن باريس «المصطنعة»
هاني نعيم
تظهر الألوان الزاهية في لوحات الشاب رمزي أبو غنّام (24 عاماً) الذي عاد منذ مدّة إلى لبنان، بتأثير من الطبيعة المحيطة به في مكان سكنه في جونية: الجبل والشمس والبحر. يعترف رمزي بضجره من باريس وضواحيها، والتي أمضى حياته فيها، ويفكّر بالاستقرار في وطنه الأم. «كل شي بنايات»، يقول رمزي باستهجان عن باريس، حيث البرد والغيوم والوجوم الدائم على وجوه سكّانها، «عدا الاصطناع الذي يأكل تلك المدينة»، رغم أنّ باريس كانت تمنحه كلّ يوم تجربة جديدة في الفن والثقافة، وخصوصاً عندما كان يقضي وقتاً طويلاً في متاحفها، فقد كانت «زيارات إلى التاريخ» كما يحب أن يصفها.
ككل اللبنانيين الذين ولدوا وعاشوا في فرنسا، نشأ رمزي وهو يعاني صراعاً بين الهويتين «اللبنانيّة» و«الفرنسيّة»، لكنّه يحسم المسألة «تربّيت على العقليّة اللبنانية، والجزء الأكبر في داخلي لبناني. أنا لبناني أولاً، فرنسي ثانياً».
وإذا كان رمزي قد حسم مسألة هويّته كإنسان، فهويّته كفنّان لا تزال قيد الاختبار. وهو يجرّب كلّ المدارس التشكيليّة، ليستقر على هويّة خاصة به تستطيع تقديم الجديد بما يتماشى مع العصر، حسب تعبيره. لذا يمكن ملاحظة لوحاته التي تتضمّن الرسم الكلاسيكي، التعبيري، البورتريه، والـ«pop art»، وغيرها من المدارس. ويستفيض في الشرح عن الأمر قائلاً «قرأت عن التجارب السابقة، واليوم أحاول فهم التجارب الحديثة التي تكسّر التابوات الكلاسيكيّة». يرفض رمزي وضع حدود للرسم، ويعتبر ذاته حرّة. هذه الاعتبارات لا تعني لدى الشاب ابتعاد الفنّان عن مجتمعه، بل يرى أنّ للفنان دوراً أساسياً في بناء ثقافة المجتمع الذي يحيا فيه، ويأمل رمزي أداء هذا الدور وإعادة بلده لما كان عليه في الماضي، حسب الصورة التي أسهم والداه برسمها في ذهنه عن لبنان «الثقافة، الفن والإبداع».
يرسم رمزي من هذا المنطلق. إذ إنّه «لا أرسم لأزيّن بيتي طبعاً». المفارقة هي أنّ رمزي لم يدرس الرسم، بل تعلّم التصوير الفوتوغرافي والأدب في جامعات باريس، بينها السوربون. ولكنّ الرسم ليس بجديد في حياته، فهو بدأه منذ كان في الخامسة عشرة من عمره، إذ كان يرسم مرّة كل أسبوع أو شهر. لكنّه بدأ، منذ ثلاث سنوات، يرسم كلّ يوم، وقرر احتراف الفن التشكيلي ليكون عمله الوحيد، ومصدر رزقه.
هذا القرار غيّر نمط حياة رمزي ويوميّاته. أصبح الشغف يدفعه كل يوم ليستيقظ في الثامنة صباحاً، ويسرع إلى لوحاته. يرتاح عند الثانية عشرة، ويعود بعدها إلى الرسم. وعند الثالثة والنصف، يذهب لتأمّل الطبيعة. يعود في السابعة إلى المنزل، ليبدأ من جديد الرسم حتى منتصف الليل. وإذا لم تكن لديه الرغبة في ذلك، يمضي ليله يستنبط أفكاراً جديدة وخلّاقة ليرسمها، «إنّها لحظات صفاء، تنهمر فيها الأفكار».
رغم حبّه للطبيعة، فهو لا يرسمها، بل يمكن ملاحظة وجود العنصر الإنساني في لوحاته، لأن «الإنسان يجسّد الحركة، بينما الطبيعة جامدة»، يقول. وللسخرية أيضاً فسحة في فضاء لوحاته. إذ كتب على إحدى اللوحات عبارة بالإنكليزية معناها «أحب نفسي، وأحب المال». ويقول «هذه اللوحة تعبّر عن حقيقتنا، وتسخر منها».
تتميّز بعض لوحاته بفوضى الألوان التي تعبّر عن لحظات انفعاليّة اختبرها، إلى جانب موروثات اجتماعيّة أخرى ينتقدها رمزي على طريقته، محاولاً تكريس قناعاته في لوحاته. لا يوقّع رمزي لوحاته كباقي «الزملاء» بكتابة الاسم أسفل اللوحة، بل يعتمد شعار «TTC 1000L.L» (1000 ليرة مع الضرائب). يستخدم رمزي هذا الشعار للسخرية من الناس الذين يشترون «اسم» فنان مشهور. ويشرح «أريد تكريس فكرة شراء العمل الفنّي لا اسم الفنّان. فالفن يُقاس بجماله وقيمته لا بشهرة من يقوم به». رمزي أبو غنّام قرر البقاء في البلاد، فهل تحتفظ به؟