«الزوج الغيور» مصطلح كثير الانتشار في مجتمعنا، وهو يُستخدم للتدليل على غيرة الزوج المفرطة، وعلى سلوك مرضي، نادراً ما يُلام الرجل عليه، الحق دائماً على المرأة، فهي إما خائنة أو تتعمد إثارة شكوك الزوج، ولا ندرك أن هذه الغيرة قد تكون انعكاساً لقلق مرتبط بمرحلة الطفولة أو أنها دليل على ضعف شخصية الرجل... أو على خيانته لزوجته التي تظل حبيسة جدران منزلها.
حلا ماضي
أتمّ سامي قبل أيام سنواته الست، وهو يرتاد مدرسة قريبة نسبياً من منزله. اتصلت الناظرة في أحد الأيام برقم الهاتف المدوّن في ملف الطفل الذي كان يعاني من المغص الشديد وارتفاع حرارته فجأة. لم ترد الأم على الهاتف، بل جارتها التي وعدت الناظر بإبلاغ أهل سامي بحالته. في غيال الأب، لم تجد الأم من يرشدها إلى مكان المدرسة، واستعانت بجارتها لتبحث عنها في الشوارع القريبة من المنزل.
الحكاية لم تنته عند هذا الحد، استيقظ الجيران ليلاً على صوت صراخ الزوج الذي وجّه لزوجته أقسى الشتائم والكلمات الجارحة، «لأنها خرجت من المنزل دون إذنه، وتحدثت إلى غرباء في المدرسة».
وللإشارة فقط، فإن والد الصبي هو محام ناجح جداً، وليس رجلاً أمياً.
في رواية أخرى، يرفض وليد السماح لزوجته المتعلمة والجميلة بالعمل رغم الضائقة المالية التي يمر بها، وتزوّج من أخرى «فهي ثرية» وستساعده على تسوية أوضاعه المالية، رافضاً في الوقت نفسه تطليق زوجته الأولى «لأنها ستتزوج سريعاً» كما يقول!
يمكننا يومياً أن نسمع عشرات القصص عن أزواج عاقبوا زوجاتهن اللواتي استعنّ بنجار أو سنكري أو عامل تنظيف لإصلاح الأعطال في المنزل. بعض الزوجات يخضعن «للأمر الواقع»، وأخريات يطلبن الطلاق ويتنازلن عن كامل حقوقهن مقابل استعادة الحرية التي خنقها الأزواج الغيورون.
تجمع الأستاذتان الجامعيتان بيللا عون وسمر الزغبي على أن الغيرة الزوجية كمنكّهات الطعام، تُفسد العلاقة إذا زادت عن حدها. وفي المقابل فإن غياب الغيرة دليل على برودة العواطف المرتبطة ببعض الأمراض النفسية.
توضح المحللة النفسية بيللا عون أن الغيرة المرضية نوع من أنواع العواطف المركّبة التي تشتمل على فقدان الثقة بالذات، إضافة إلى الخوف والتقلّب العاطفي، وغالباً ما تحدث الغيرة المَرَضية عندما يكون أحد الزوجين صاحب شخصية «شكّاكة» ويعاني ضعف الشخصية وعدم الانسجام العاطفي، هذا الزوج يسقط ضعفه على الآخرين ويتهمهم بالخيانة، لذلك فإن ضعف القدرة الجنسية عند الرجل يعدّ من العوامل المسبّبة للغيرة المَرَضية، هذه الغيرة تظهر عوارضها على شكل وسواس لدى الرجل، فيروح يراقب زوجته. هذا الوسواس قد يصل إلى مرحلة الشك المَرَضي. أي تصرف تأتي به الزوجة سيكون في نظر الزوج الغيور سلوكاً لإخفاء سر ما، في مرحلة لاحقة يبدأ ببعض من شكوكه، وستستغرب الزوجة بعض المصلحطات التي ينطق بها، ليتابع بعد ذلك باختلاق أحداث لم تقم بها الزوجة أو تحريف أمور بسيطة قامت بها. أخيراً، تأتي مرحلة مرض الغيرة عند الزوج، خلال هذه المرحلة سيبحث عن دليل يثبت شكوكه، وغالباً ما يلجأ إلى تفتيش ملابس زوجته أو أغراضها الخاصة بحثاً عن دليل على سلوكياتها الخاطئة كما يعتقد.
تشير عون إلى أن الغيرة المَرَضية لدى الرجل تعود إلى خوفه من أن تخدعه المرأة التي ارتبط بها، وهذا النوع من الرجال عنيف، يظهر عنفه من خلال الكلام القاسي أو ضرب الآخر. هذا السلوك يعكس خللاً نفسياً يستدعي علاجاً.
تربط عون أسباب الغيرة لدى الرجل بأمور شخصية وعائلية عاشها في صغره أو في مرحلة المراهقة، فقد تكون الصورة الأنثوية «مشوّهة» عموماً، بسبب العلاقة غير المستقرة بين أبيه وأمه، أو لأن والدته خانت والده، مما أساء إلى الصورة النقية عن الأم في ذهنه، وبالتالي تشوهت صورة الأنثى في لاوعيه. الزوج الذي يقيم علاقات كثيرة خارج إطار المؤسسة الزوجية قد يتحوّل إلى رجل صاحب شكوك يغار غيرة كبيرة على زوجته، ولكن عون تلفت أيضاً إلى أن من تعرّض صغيراً للاغتصاب أو التحرش الجنسي ينمو لديه نفور من المرأة أو شعور بعدم القدرة على الإحساس بالأمان معها.
تبقى الإشارة إلى أن بعض الرجال في الواقع يشعرون بملكية المرأة كشعورهم بالغيرة على قطعة أرض يملكونها.
من جهتها، تلفت الأستاذة في كلية التربية سمر الزغبي إلى أن الطفل الذي يعاني من قلة الاهتمام ستتولد لديه وهو كبير شعور بأنه أقل شأناً من الآخرين، أي ما يُعرف بـ«عقدة النقص»، وهذا ما يعزّز لديه السلوك العدواني. وتشير الزغبي إلى أن الطفل الذي يُدلّل بشكل مبالغ فيه، تنمو لديه الرغبة بامتلاك كل شيء.
وتلفت الزغبي إلى عامل مباشر يسبّب «الغيرة اللاواقعية» عند الرجل، فهو لا يغار أحياناً على زوجته، بل يغار من نجاحها العملي والاجتماعي، ومن قدرتها على الحصول على مردود مادي يفوق ما يحصل عليه. الرجال الذين ينتمون إلى هذه الفئة يعتبرون تقدم زوجاتهم عاملاً مضراً بـ«رجولتهم».


عن الزوجة ــــ الضحية

تختلف ردات فعل الزوجات على تصرفات الزوج الذي يعاني من الغيرة، ويمكن تصنيفهن، حسب عون، إلى فئات عدة:
ــ نساء مستسلمات لقدرهن، يعتبرن أن هذه الغيرة دليل حب.
ــ نساء يرفضن هذا الواقع، ويعتبرن الغيرة المَرَضية رمزاً للعبودية، ويخترن الانفصال عن الزوج الغيور
ــ النساء الماكرات اللواتي يدركن أن غيرة الرجل دليل ضعف وانعدام ثقة بالذات، «فيسخرن منها» ويخدعن الرجل ويمثّلن دور الزوجات المغلوب على أمرهن.
ويجدر التشديد على أن المحيط العائلي والاجتماعي يلعب دوراً كبيراً في دعم خيارات الزوجة، فبعض النساء اللواتي يخترن الانفصال عن أزواجهن، يلقين معارضة شديدة من الأهل والأقارب. وقد تضطر المرأة إلى الاستسلام لـ«قدرها» خوف أن تُحرم من حضانة أولادها، ويحصل عليها الزوج الغيور والمضطرب نفسياً.