إبراهيم الأمينمنذ مباشرة الدوائر السياسية والعسكرية الإسرائيلية والعربية والغربية الإعداد للحرب على غزة، بادر الجميع إلى القيام بما يجب القيام به. وفي لبنان، سارع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى دعوته الشهيرة إلى التضامن مع أهل غزة، ودعوة الجمهور اللبناني والعربي إلى القيام بدوره في التضامن. وعندما اندلعت الحرب، كان السيد نصر الله يعرف ما عليه القيام به. لم يكن هناك من صراخ فلسطيني في أذنه يحثّه على الدخول مباشرة في الحرب، لكن ما قاله السيد في كل خطبه في عاشوراء، مثّل العنصر السياسي الأساسي في مواجهة المقاومة لآلة الحرب الإسرائيلية وللتآمر العربي معها.
كان حزب الله، ولا يزال، محط أنظار الجميع. جماعة الاعتدال ردوا على دعوته إياهم إلى فتح الحدود مع غزة ونصرتها، بدعوته إلى القيام بدور مباشر. تورّط أزلام هذه الأنظمة في دعوة نصر الله إلى فتح الجبهة، وصار كتبتهم في كل العالم (ما عدا لبنان) يسألون عن صواريخ حزب الله ولماذا لم تطلق باتجاه تل أبيب، في ما بدا أنه ارتباك لا يعبّر عن عقل، حيث إن المتضرر الأول من هذا الكلام كان حلفاء الاعتدال العربي في لبنان، الذين يقبلون الآن بأن يقتصر دعم حزب الله لغزة على الخطابات والتظاهرات.
وفي خطوة معاكسة، تلبي الخدمات الأساسية للفريق الغربي في لبنان، لم يترك قادة 14 آذار في الحكم وخارجه فرصة إلا أكدوا خلالها لكل من يهمه الأمر أن حزب الله لن يبادر إلى أي خطوة ميدانية، وأن على إسرائيل أن تطمئن إلى جبهتها الشمالية. وتولت القوات الدولية المنتشرة في الجنوب ما تقدر عليه من إجراءات لتثبيت هذا الواقع، حتى إن المسؤول الإيراني سعيد جليلي تورّط هو أيضاً في اللعبة عندما قال لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة على وجه الخصوص إن حزب الله لن يتدخل في الحرب القائمة الآن.
حتى هذه اللحظة، كان حزب الله يقوم بما عليه القيام به: إدارة حملة تعبئة سياسية يتولاها السيد نصر الله شخصياً، ودعم غير مرئي تتولاه الأجهزة المعنية في المقاومة لـ«رفاق السلاح» في غزة. وترافق ذلك مع كمية كبيرة من الاتصالات والتحركات التي تساعد القطاع على الصمود في وجه الحرب. وفي المقابل، كان الفريق الآخر يسعى إلى الحصول على موقف واضح وعلني من الحزب يقول فيه صراحة إنه غير معني بما يجري بأكثر مما يقوم به لناحية التظاهر والخطب.
ومع ذلك، فإن في قيادة حزب الله في لبنان من يعرف حجم العبء الملقى على عاتقهم في هذه الفترة. والكلمة الفصل في كل النقاشات التي تجري هي: ممنوع ترك «حماس» تخسر الحرب في غزة. ولكن لتوفير هذه الحقيقة، فإن الأمر لا يتطلب اللجوء فوراً إلى فتح الجبهة الشمالية بوجه إسرائيل، ولا المبالغة في تقدير ما يجب تحقيقه من المواجهة القائمة، وهذا بحد ذاته ما تطلّب من السيد نصر الله تحديداً أن يبادر في آخر خطابين له إلى أن يقول الكلام الأوضح:
ـ إن قيادة المقاومة في فلسطين تملك القدرة على اتخاذ القرار الذي يناسبها، وفي هذا الموقف التغطية التي تحتاج إليها «حماس» على وجه الخصوص لإدارة المعركة السياسية.
ـ إن المقاومة في لبنان ستظل مستنفرة إلى أعلى درجات الجهوزية لمواجهة كل احتمال مطروح.
وفي الحالة الأخيرة، يجب فهم حقيقة أن المقاومة ربما تملك الوسائل التي تتيح لها الإسهام في انتصار المقاومة الفلسطينية من دون أن تظهر لها بصمات، ومن دون أن تحتاج إلى من يشير إليها بالإصبع مهاجماً أو مهنئاً، وهي لا تنتظر الثناء ولا تهتم بالهجاء، ولذلك فإن ما يحصل الآن هو عبارة عن استنفار من يكون بمقدوره التدخل في اللحظة المناسبة وفي المكان المناسب.
ولذلك، يمكن النظر إلى عملية إطلاق الصواريخ الأخيرة على نهاريا وفق الآتي:
بمعزل عمن يقف خلف هذه العملية، وبمعزل عن أهدافه المباشرة أو غير المباشرة، وبخلاف ما يتوقعه الآخرون من نتائج لهذه العملية، فإن النتيجة العملية الأساسية هي أن الصواريخ محت كل جهود الطمأنة المجانية التي تطوّع لبنانيون لتقديمها إلى إسرائيل مباشرة أو غير مباشرة. وهذا بحد ذاته يمثّل الإنجاز الذي تخشاه إسرائيل في هذه اللحظة، حتى لو كانت تبيّت لعدوان كبير على لبنان. وعندما تقرر ذلك، لن تنتظر أي ذريعة.