لا قيود على السفر، ولا إجراءات خاصة في مطار بيروت. العائدون إلى لبنان لم يضعوا كمامات واقية، أما وزارة الصحة فطلبت عدم الاستسلام للذعر وتطبيق أبسط شروط الصحة العامة اليومية لدى الإصابة بالرشح أو الأنفلونزا العادية. هكذا يُختصَر المشهد الرسمي في التعاطي مع أنفلونزا الخنازير. أما أصحاب المزارع فاستمروا ببيع خنازيرهم بعد تشديد الفحص، على أمل أن لا تذبح أرزاقهم مقاطعة المستهلكين
بسام القنطار
لا يبدو رفعت حمزة آبهاً بكثرة الحديث عن مرض أنفلونزا الخنازير. فالرجل الذي يملك مزرعة خنازير بمنطقة عين درافيل في قضاء عاليه، استفاق أمس كعادته قبل طلوع الفجر، واختار شحنة الخنانيص (صغار الخنازير) التي ستحمّل إلى بيروت للذبح والبيع في السوق، بعد أن تخضع للفحوص الطبية اللازمة التي زادت عليها وزارة الزراعة أمس فحصاً يتعلق بخلوّها من أنفلونزا (H1N1)، أي ما بات يعرف شعبياً بأنفلونزا الخنازير، الذي لم يثبت انتشاره حتى الساعة بين الخنازير أصلاً، مع أن منظمة الصحة العالمية حذرت من تطوره بسرعة شديدة، والتقصيات الوبائية مستمرة للتعرف إلى كيفية انتشاره.
حمزة قال لـ«الأخبار»: أفضّل أن يطلقوا على الوباء اسم أنفلونزا الإدارة الأميركية، لأنها كالعادة تخترع هذا النوع من الأوبئة لتغطي أزماتها، واليوم هي بحاجة إلى بث الذعر للتغطية على الركود والبطالة التي سببتها».
نظرية «المؤامرة» التي سوّقها هذا المزارع، تبدو «طبيعية» ودفاعية كأي مستثمر يخاف على مدخوله. فيما تبدو نظرية وزير الصحة محمد جواد خليفة، التي عبّر عنها في مؤتمره الصحافي أمس حين وصف إجراءات بعض الدول في مطاراتها بأنها «استعراض»، غير مبررة لاستخفافها بإجراءات تبدو ضرورية على الأقل للوقاية. فبلاد كالصين مثلاً، تستند في تصرفاتها إلى تجربتها في التعاطي مع كارثة وبائية أخرى هي أنفلونزا الطيور، و«الاستعراض» لا يدخل في قاموس الدول التي تحترم صحة مواطنيها.
المؤتمر الذي حضره المدير العام للوزارة د. وليد عمار وممثل منظمة الصحة العالمية د. حسين أبو زيد، عرض «الإجرءات التي تتبعها وزارة الصحة لحماية المواطنين من المرض».
ورأى خليفة أن «لبنان كان من أكثر الدول عقلانية في تعاطيه مع أنفلونزا الطيور. وإذا ما نظرنا إلى حجم الإنفاق عند الدول لمواجهة ذلك المرض، نرى أن لبنان تصرف بعقلانية، لأن هناك قواعد يجب اعتمادها وهي متواضعة ومجدية وتؤدي إلى النتائج المطلوبة. لذلك، من المؤكد أنه عند ظهور أي حالة سنتصرف علمياً وجدياً».
وأشار خليفة إلى أن لبنان يتبع توصية منظمة الصحة العالمية بعدم فرض أي قيود على السفر أو التجارة أو ضرورة إجراء تحريات في المطارات، الأمر الذي تأكدت منه «الأخبار» في جولة لها داخل حرم المطار، حيث تبين أن ليس هناك أي إجراءات متخذة، كذلك لم يضع أي مسافر كمامات واقية، على غرار المشاهد التي تنقل من مطارات العالم.
أضاف خليفة: «بدأنا تفعيل خطة الطوارئ الموجودة منذ موضوع أنفلونزا الطيور، بالإضافة إلى كيفية احتواء المرض إذا ما وقع (...) ومن غير الضرورة إثارة الذعر في البلد».
وتابع: «يجب تطبيق أبسط شروط الصحة العامة التي يطبقها المواطن في حياته اليومية عندما ينتشر مرض الرشح أو الأنفلونزا العادية، كمنع اختلاط الأولاد بالمصاب أو تبادل القبل. وابتعاد الشخص المصاب عن المناسبات الاجتماعية، وإلغاء السفر إلى دول أعلن عن وجود المرض فيها إلى أن تتوضح الأمور».
ورغم تأكيد خليفة «إمكان الوصول إلى تشخيص المرض بواسطة المختبرات المحلية»، إلا أنه قال إن الوزارة طلبت من منظمة الصحة الحصول على الرقاقة الإلكترونية التي يجري تصنيعها للتمكن من اكتشاف السلالة الجديدة لهذا الفيروس!
وطالب خليفة المستشفيات بـ«تطبيق الأصول المتبعة، وخصوصاً لجهة رفع نسبة الوقاية عبر اتخاذ الإجراءات واعتماد اللوازم المطلوبة وتوفير دواء «تاميفلو» Tamiflu، وخصوصاً أن وزارة الصحة قد وفرت مخزوناً وطنياً من هذا الدواء».
وتشير منظمة الصحة إلى أن أنفلونزا الخنازير تستجيب للمعالجة بهذا الدواء، لكنها نفت وجود لقاح مضاد للفيروس، مشيرة إلى أن التجارب لاكتشاف لقاح قد تستغرق 6 أشهر، مع العلم بأن تغيّر الفيروس باستمرار يجعله عصياً على أي لقاح مكتشف.
بدوره، أوضح المدير العام لوزارة الصحة د. وليد عمار أن دواء «تاميفلو» Tamiflu سُحب من الأسواق ووُضع في مستودعات وزارة الصحة يوم كان مرض أنفلونزا الطيور يهدد المنطقة، بالإضافة إلى شراء كميات إضافية. لكن هذا الدواء موجود اليوم في الصيدليات، ويمكن المواطن الحصول عليه عند الضرورة، والكميات الموجودة في وزارة الصحة هي لحالات الوباء أو للحالات الخطرة داخل المستشفيات. ورداً على سؤال، أعلن خليفة أن هذه الكمية تقدّر بنحو 70 ألف حصة.
مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة نبيه غوش قال في اتصال مع «الأخبار» إن لبنان لم يستورد خنازير حية منذ 8 سنوات، ورغم ذلك، اتخذت الوزارة قراراً احترازياً بمنع استيرادها». وأشار إلى «أن عمليات ذبح الخنازير في مختلف المناطق تخضع لموافقة الأطباء البيطريين المعتمدين، بعد التأكد من خلوها من المرض»، وأن الفرق الفنية باشرت إجراء فحوص للحيوانات ونقلها إلى مختبر الفنار لمعرفة إمكان وجود هذا الفيروس أو إذا كان محمولاً من الخنازير.
وطالب المدير السابق لمصلحة الحجر الصحي البيطري، فضل الله منير، بضرورة أن يتخذ لبنان إجراءات فورية على المطارات والمعابر، وأن لا يُكتفى بالإجراءات العادية.