كل عام، يسافر ما بين 10 آلاف و15 ألف طالب لبناني إلى فرنسا للدراسة، لاعتبارات عدّة ليس أوّلها تجذّر العلاقات الثقافية بين البلدين، ولا آخرها مجانية التعليم في فرنسا. إلا أن هذه النسب تتجه على الأرجح نحو التقلص بعدما فرضت الخارجية الفرنسية مجموعة من الشروط الجديدة على طلب التأشيرة، من غير المبالغ به وصفها بـ«شبه التعجيزية» رنا حايك
تراجع أحمد عن فكرة إعداد ملفه والتقدم به لهيئة «CAMPUS FRANCE» في القنصلية الفرنسية في بيروت لتصديقه، تمهيداً لطلب الفيزا، بعد أن قرأ على موقع القنصلية شروطها التعجيزية.
فكيف لا يكون تعجيزياً أن تطلب القنصلية، التابعة لبلد يتمتع بمجانية التعليم، من طالب ينتمي في معظم الحالات إلى الطبقة الوسطى، نسخة عن حجز في فندق لمدة 3 شهور، أو شهادة من المدينة الجامعية التي ينوي الطالب الالتحاق بها، تفيد بأن إدارتها قد وفّرت له سكناً فيها (وهو لا يتوافر لخمسة في المئة من الطلاب)، أو شهادة من البلدية التي تقع فيها الجامعة يكلّف استصدارها 45 يورو ولا تستصدر إلا إذا كان المضيف الذي سيستقبل الطالب في فرنسا يقيم في سكن خاص، أو يخضع سكنه لمعايير تحدّدها البلدية (مثل مساحة السكن أو مكانه).
فقبلاً، كان يكفي للصديق المقيم في فرنسا، مهما كان نوع المنزل الذي يقيم فيه (قد يكون سكناً جامعياً) أن يرسل لصديقه الطالب في لبنان الحاصل على قبول من جامعة فرنسية، اسمه وعنوانه فقط، ليكتمل ملف طلب الفيزا الذي سيقدم إلى القنصلية الفرنسية في بيروت.
اليوم، لم يعد الوضع كذلك، فقد أصبح الحصول على فيزا أصعب بكثير، حتى على المستوى المادي. فبعد أن كانت الكفالة البنكية المشترطة تصل إلى حوالى 400 $ شهرياً، ارتفعت الآن إلى 480 يورو في الشهر، وهو مبلغ هائل بالنسبة إلى الأسر المتوسطة الدخل.
أما لماذا اتُّخذت هذه التدابير التي من شأنها تعقيد الشروط؟ يجيب الموظف في قسم التأشيرات في القنصلية «بدّك تسأليهن هونيك». وبما أن «هونيك» بعيدة، فقد توجهت «الأخبار» بالسؤال إلى وزارة التربية اللبنانية التي أجاب مصدر فيها، آثر عدم ذكر اسمه، بأن «الشروط أصبحت أصعب فعلاً ولكن لاعتبارات تتعلق بمستوى المتقدم بالطلب في اللغة الفرنسية».
إلا أن اللغة هي اعتبار يستبعده رئيس جمعية الجامعيين اللبنانيين في فرنسا (AULF) الدكتور جلال جمعة، الذي يعتقد أن القضية ليست سوى «ترجمة لسياسة عامة قررت وزارة الخارجية الفرنسية انتهاجها ابتداءً من العام الحالي»، شارحاً كيف أنها سبّبت صعوبات جمّة للطلاب الراغبين في السفر إلى فرنسا بغرض العلم، «وهي مشكلة نعانيها منذ فترة، لأن شروط الفيزا تتغير فجأة عاماً بعد عام، فلا نحظى بالوقت الكافي للإعداد لها ومواجهتها. أما هذا العام، فالصعوبات هي أصعب من أي وقت مضى»، كما يقول.
فالجمعية تعمل، منذ أنشئت عام 2005، على تسهيل أمور الطلاب اللبنانيين الذين يقصدون فرنسا، وذلك على عدة مستويات يشرحها قائلاً «نحن نقدم الدعم النظري الأكاديمي، إضافة إلى ذلك اللوجستي للطلاب. فإضافة إلى موقع الجمعية الإلكتروني الذي يمثّل جسر التواصل بيننا وبين الطلاب الذين يرسلون إلينا رسائل استفسارية عن الحياة الطالبية في فرنسا وكل ما يتعلق بها، نعقد سنوياً لقاءين معهم في لبنان، نعلن موعدهما مسبقاً في الوسائل الإعلامية المكتوبة. يكون اللقاء الأول خلال شهر آذار، أي مع حلول موسم إرسال طلبات القبول إلى الجامعات الفرنسية، ويكون محوره الإرشاد العلمي والتوجيه، أساعدهم على اختيار الاختصاص والكلية، وأفيدهم بمعلوماتي عن كلفة التعلم وما إلى هنالك، بصفتي أستاذاً محاضراً ومقيماً في فرنسا، بينما نعقد اللقاء الثاني خلال شهر آب، حيث يكون الطلاب قد تسلّموا أوراق قبولهم في الجامعات الفرنسية. خلال هذا اللقاء الثاني، نتباحث في أمور الدعم اللوجستي والعملاني، وهو أمر يسهّله لنا وجود 140 مندوباً متطوّعاً للجمعية من الطلاب اللبنانيين في الخارج. فإضافة إلى تذكير الطلاب بما عليهم أخذه معهم من الأوراق ومدّهم ببعض المعلومات عن المدينة والجامعة اللتين يقصدونهما، يبلّغ كل طالب مسافر اسم الطالب المندوب الذي سيستقبله فور وصوله إلى فرنسا، وقد يستضيفه بعض الوقت ريثما يكون قد وفّر سكنه».
ما إن أعلنت القنصلية الشروط الجديدة المذكورة، حتى انهمرت الرسائل الاحتجاجية على موقع الجمعية الإلكتروني، «فالطلاب مرتبكون وممتعضون جداً، بينما نتساءل بدورنا عن السبب الذي دعا الحكومة الفرنسية إلى تصعيب الإجراءات بهذا الشكل»، كما يقول جمعة. فبسبب الإجراءات الجديدة، لم يعد المندوبون قادرين على مساعدة زملائهم الراغبين في الالتحاق بهم عبر إرسال دعوات لهم (إلا إذا كانوا يقيمون في سكن خاص، مستأجر. ولكن حتى في هذه الحالة، أصبحت معايير تقويم السكن بيد البلدية المخوّلة وحدها إرسال الشهادة).
وفيما يؤكد جمعة أن الشروط الصادرة حديثاً تطبّق على جميع الطلاب الأجانب لا اللبنانيين فحسب، إلا أنه يأمل الوصول إلى تسوية ما تدفع الحكومة الفرنسية لتخصيص الطلاب اللبنانيين بنوع من المعاملة الخاصة. وقد اتصل فعلاً بالملحق الثقافي في السفارة اللبنانية في باريس عبد الله نعمان طالباً منه التدخل لديها، فحصل منه على وعد بأنه «سيثير المسألة في أقرب وقت»، كما نقل عنه. إلى ذلك الحين، سيحاول جمعة إثارة الموضوع بدوره أثناء اجتماع جمعيات الطلبة الأجانب في فرنسا، لعلها، جميعاً، تتوصّل إلى تكوين مجموعة ضغط تطالب بالتخفيف من حدة الشروط المطلوبة.