أحمد محسنلا بد من الاعتراف بوجود فئة شبابية تحاول الخروج من الصورة. الصورة النمطية للشباب اللبناني، التي يحمل فيها الشاب صورة زعيم هنا، ويرتدي مذهباً هناك. جريدة «حبر» الشبابية، («صوت الشباب» سابقاً) ليست سوى نموذج عن تلك الحالة. في المبدأ، الجريدة ـــــ المحاولة بحدّ ذاتها جيدة. التمرّد الشبابي على شروط المرحلة حالة محبّبة وبحاجة إلى دعم حقيقي. هكذا، صدرت «حبر» وتسلّلت معها أصوات شباب كان يُفترض أن لديهم شيئاً جديداً يقولونه. ولعل أول ما يراود متناول الأوراق العشرين تلك، هو انتظار لمسة أكثر ديناميكية، مما يدلي به ممثّلو الهيئات الطالبية في الأحزاب التقليدية على شاشات التلفزة، أثناء الحوارات التي تحاول إقناع المشاهدين بأن الشباب اللبناني كله متحزّب.
صدرت ثلاثة أعداد من الجريدة، تناول أوّلها موضوع الجامعات، وهو الأمر الذي يجب أن يحضر في كل عدد. ويمكن اعتبار عنوان العدد الثاني الأبرز، إذ تطرق إلى حداثة المدينة وموتها، متضمّناً أسئلة شبابية حقيقية، ومحاولات أجوبة. كاد العدد الثاني أن ينجح لولا الوقوع في فخاخ العنصرية التي تجلّت في مهاجمة الرسامين على الجدران، وإلصاق الفنون بالعولمة حصراً. وكان لافتاً حضور فلسطين في العدد الثالث، إلى جانب رتابة مفرطة في التطرق إلى الواقع الثقافي الشبابي. طبعاً، ليس مطلوباً أن تزخر «حبر» بالنقّاد، ومن المنطقي ألا تتعدى صفحات الجريدة ـــــ كما أعلن أهلها ـــــ أكثر من كونها مساحة لمن لم يجد واحدة.
للمناسبة، هذا ليس نقداً. الجريدة لم تطرح نفسها بديلاً من الميديا العادية أصلاً. كان متوقعاً أن تقدم إضافة حيوية وحسب، ولم يحصل هذا الأمر. الشباب في الجريدة يعيدون الأفكار التي قيلت قبلاً، بلغة فوقية، غير قادرة على الاستقطاب. في هذه الحالة، يُخشى أن تصبح «حبر» هي الأخرى أزمة، أو نسخة عن أزمة شباب خرج من القمقم الطائفي، مشوّهاً. فالتمسك بالشعارات «المُتعلمنة» نفسها، من دون الحوار مع الآخر، ومخاطبته بلغة مفهومة، يعدّ عملاً مشابهاً للانطوائية الدينية التي افترست أغلبية الشباب. لا وجود للإحصاءات هنا، لنحدّد الطائفي من نقيضه، لكن من المؤلم جداً أن يشارك العلمانيون المتزمتين في انعزالهم.
نوعية المواد المطروحة تطرح أسئلة عن قدرة الجريدة على الاستمرار، و«حبر» ناجحة حتى الآن، في مخاطبة الشباب الذين هم دون الثامنة عشرة، لكون الحديث عن الزواج المدني فكرةً جديدة لهم، والحديث عن وجود الله، غالباً ما يمثّل مادة للسجالات البريئة.