حين «يؤكّد» مجلس الوزراء قرارات سابقة لم تنفّذ، يسحب المواطن قاموس المصطلحات السياسية اللبنانية ويترجم: «التأكيد» يعني «النفي». أما لماذا؟ فلأن من يجب أن ينفذ هو ببساطة مجلس الوزراء نفسه! ولو استخدمنا هذا القاموس في تفسير قرار مجلس الوزراء أمس بالتمديد لمطمر الناعمة، لكان جديراً قراءة ما يأتي: ينفي مجلس الوزراء ما كان قد قرره بدفع تعويضات للبلديات المحيطة بالمطمر
بسام القنطار
رغم تأكيدات الحكومات المتعاقبة منذ أيام الرئيس رفيق الحريري، حتى اليوم، أن «مطمر الناعمة استنفد طاقته الاستيعابية ويجب إيجاد بديل له والتعويض على البلديات المحيطة به»، ورغم مناشدات المجتمع الأهلي والبلديات ضرورة عدم التمديد لمطمر الناعمة قبل إقرار بديل وتعويضهم، وإنشاء معمل للطاقة الكهربائية يعمل على غاز الميثان المنبعث بكميات كبيرة من المطمر ... وافق مجلس الوزراء أمس على اقتراح مجلس الإنماء والإعمار توسعة المطمر وتمديد العقود الجارية لكنس النفايات المنزلية الصلبة وجمعها ومعالجتها وطمرها في بيروت الكبرى وجبل لبنان.
«اكذب واكذب واكذب فلا بد أن تجد من يصدّقك». هذا هو لسان حال أهالي القرى المحيطة بمطمر الناعمة، في وصفهم القرار الأخير لمجلس الوزراء الذي مدّد أربع سنوات إضافية للمطمر الذي تحوّل إلى أكبر مكبّ للنفايات في لبنان.
منسّق التجمّع لإغلاق مطمر الناعمة، نديم حمزة، قال لـ«الأخبار»: «من يضمن لنا أن هذا التمديد هو الأخير؟ وما هي الاستراتيجية البديلة، وعلى أيّ دراسة استند التمديد بعدما كان مجلس الوزراء السابق قبل أربع سنوات قد أعلن أنه استنفد طاقته الاستيعابية؟». أضاف حمزة: «حين يصدر مجلس الوزراء قراراً يؤكد فيه قرارات سابقة بوجوب إعطاء البلديات المعنية المجاورة لمطمر الناعمة الحوافز المالية، يحقّ لنا أن نطرح سؤالاً بديهياً: «لماذا لم تطبّق أصلاً هذه القرارات؟ ولماذا لم تصرف الأموال؟».
ويرى أن «تأكيد قرارات سابقة لم تنفذ هو فعل إدانة للحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية التي تتقن التحايل على الرأي العام وتقديم الرشى الوهمية للبلديات من أجل أن لا تلقى أي اعتراض على خطوتها». يتابع: «في أيّ بنك يصرف هذا «التأكيد»، ومن يضمن أن البلديات سوف تقبض عشرة أضعاف حصتها في الصندوق البلدي المستقل كما نص القرار؟ والأهم، هل قبضت هذه البلديات حصتها الأساسية أصلاً؟». وفي محاولة لتطويق أي تحرك شعبي والتهديد بالاعتصام وقطع الطرقات المؤدية إلى المطمر، ربط مجلس الوزراء موضوع مطمر الناعمة بالقرار المتعلق بخطة إدارة النفايات المنزلية الصلبة، موضوع قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 30/3/2010 الذي نصّ على تأليف لجنة وزارية مهمتها اقتراح خطة لإدارة النفايات الصلبة في المناطق اللبنانية، علماً بأن هذه اللجنة لم تقدم أي ضمانات بشأن مستقبل المطمر بعد أن يحين موعد إقفاله العرقوبي.
وفي اعتراف ضمني بالتقصير، أكد القرار «قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بوجوب إعطاء البلديات المعنيّة المجاورة للمطمر الحوافز الملحوظة بموجب هذه القرارات»، إضافة إلى تمديد العقود الجارية حالياً لكنس النفايات وجمعها ومعالجتها وطمرها والموقّعة مع مجموعة «أفيردا» التي تمتلك شركتي سوكلين وسوكومي، وعقد الاستشاري «لاسيكو» إلى حين المباشرة بتنفيذ خطة إدارة النفايات الصلبة، على أن لا يتجاوز التمديد في مطلق الأحوال 4 سنوات وإبلاغ المتعهد والاستشاري بتاريخ انتهاء التمديد قبل 6 أشهر على الأقل. ونصّ القرار على تكليف لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية وزراء الداخلية والبلديات والمال والبيئة، يعاونها رئيس مجلس الإنماء والإعمار للتفاوض مع مجموعة «أفيردا» في شأن إمكان خفض الأسعار الحالية وذلك قبل توقيع عقود التمديد.
ويؤكد العارفون أن جوهر هذا القرار هو صكّ براءة لمجموعة «أفيردا» التي تطرح الحملة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة فتح تحقيق بشأن العقود الموقّعة معها وطريقة تنفيذها والكلفة العالية التي تدفعها الدولة.
تجدر الإشارة إلى وجود علاقة وطيدة بين مجموعة «أفيردا» وآل الحريري، ما يعني أن الرئيس سعد الحريري قد ترأس لجنة وزارية تفاوض شركة «يمون عليها» بشأن إمكان خفض الأسعار الحالية لمصلحة الدولة. ولا شك في أن سقف التفاوض محسوم سلفاً، وكذلك سقف الأرباح... بالطبع لمصلحة الدولة! ولقد حاولت «الأخبار» الاتصال بشركة «أفيردا» فلم توفّق.

يؤكد العارفون أن هذا القرار هو صكّ براءة لمجموعة أفيردا
وفي استعادة لتاريخ هذه العقود، يتبيّن أن عقد الكنس والجمع مع «سوكلين» قد انتهت مدته بتاريخ 031/12/2000 ولقد مدد تباعاً تحت حجة تحضير دفتر شروط جديد وإلى حين مباشرة الملتزم الجديد أعمال الجمع والكنس! أما عقدا المعالجة والطمر مع شركة «سوكومي»، فهما منتهيان منذ عام 2008، لكن مجموعة أفيردا لم تقبض جميع مستحقاتها، عن الفترة الماضية، التي تفوق 200 مليون دولار كما تشير بعض المصادر المطّلعة. والسؤال: هل ستدفع تلك المستحقات، مقابل خفض كلفة الطمر في مطمر الناعمة؟ وهل ثمة صفقة معدّة لقبول هذا المبدأ، مقابل عدم المراجعة والتقويم والمحاسبة على سير الأعمال في المرحلة السابقة؟
وفي هذا المجال، يقول مصدر في حزب البيئة اللبناني: «لعلّ على الدولة أن تسترجع بعض الأموال بدل أن تدفع، إذا تبيّن أن هناك مخالفات لشروط العقود، ولا سيما لناحية مخالفة عقد التشغيل في معمل التخمير في الكورال». انطلاقاً من ذلك، يطالب الحزب بفتح تحقيق لتحديد المسؤوليات والمحاسبة، لكي يعرف الشعب اللبناني ما له وما عليه في هذا الملف.
وسأل المصدر: «أيّ منطقة في لبنان، أي سلطة محلية، أي مجتمع مدني سيتحمل المسؤولية التاريخية بقبول إنشاء محارق أو مطامر للنفايات في أرضها قد تتحول إلى مراكز تلوث؟»، وختم «يفترض بأيّ خطة لإدارة النفايات أن تقوم على التخفيف من الإنتاج قبل الفرز، والفرز من المصدر لجميع أنواع النفايات بعد تصنيفها ووضع برنامج إدارة متكامل لمعالجتها؟ ولو أخذ بآراء الحملة الوطنية منذ عام 2003 لكنّا اليوم قد انتهينا من معالجة هذة القضية».