لبنان ليس بلد لجوء، عبارة يردّدها مسؤولون وسياسيون. ولكن ما الذي يمنع من معاملة اللاجئين وفقاً لمعايير حقوق الإنسان؟ سؤال أطلقته منظمة العفو الدولية، في ظل شهادات مأساوية للاجئين
محمد نزال
«لا نريد أن نكون عالة على أحد. نعيش اليوم كالغجر، وصرنا كأننا نستعطي. وفّروا لنا أي فرصة عمل لنعيش بكرامتنا، لا نريد أكثر من ذلك»... كلمات قالتها اللاجئة العراقية علياء الكاظم أمس، لمناسبة إطلاق تقرير منظمة العفو الدولية بشأن أوضاع المدنيين العراقيين. غالب الدمع عيني علياء وهي تتحدث عن طفلها الذي خُطف في حي الخضراء في العراق، قبل أن يصلها تهديد بذبحه من قبل «ميليشيات الابتزاز» ما لم تُدفع لهم فدية قدرها 100 ألف دولار.
ألقت السيدة الثلاثينية هذه الشهادة عن تجربتها في مركز «مؤسسة عامل»، في منطقة عين الرمانة، حيث شعرت «ببعض الأمان». شهادات أخرى عن عذابات اللاجئين العراقيين ألقيت في الحفل، في حضور رئيس المؤسسة كامل مهنا ومدير المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية أحمد كرعود.
حسين الخالدي، لاجئ عراقي في الثلاثين من عمره، أبكى الحاضرين أثناء إلقاء شهادته، دون أن تدمع عيناه، «ربما بسبب اليأس، وربما لأن القلب ما عاد يتّسع للأحزان».
منظمة العفو: العرف يقضي بحماية اللاجئ ولا يجوز ترحيله قسراً
غزت القوات الأميركية العراق عام 2003 فحلّ الخراب في أرض الرافدين. صمد حسين مدّة عام كامل، قبل أن يفرّ تحت وطأة الحديد والنار إلى لبنان. بقي في بلاد الأرز حتى عام 2008 دون أن يجد عملاً، فقرر العودة إلى «جحيم» بلاده. «فضّلت العودة إلى المكان الذي يمكن أن أُقتل فيه على البقاء في بلد لم أشعر فيه أني من البشر»، يقول حسين والدمع يُكابر في عينيه. لم يكن قرار الشاب العراقي انفعالياً، فقد اتخذه بعد 4 سنوات من محاولة الحصول على لجوء، ولكن من دون فائدة، لأن لبنان «ليس بلد لجوء» كما يقول المسؤولون، فضلاً عن «عدم شعوري بالاستقرار في لبنان».
فتح حسين محلاً تجارياً في بغداد، ولكن ما هي إلا أيام حتى تعرّض للتهديد بالخطف. وفعلاً، خطفه مسلحون قبل أن يطلبوا من والده دفع فدية لقاء إطلاق سراحه. «الأغبياء ظنوا أني كنت مغترباً، وأني آت من خارج القُطر، ما يعني أني بتّ ثرياً، ولكنهم لم يعرفوا أني عائد من بلد كدت أموت فيه من الجوع». بعد إطلاق سراحه، فكّر في الزواج لعلّ ذلك يسهم في استقراره النفسي. «تزوجت فعلاً، ولكن ما إن مضى شهران على زواجي حتى استشهدت زوجتي في انفجار عبوة ناسفة في أحد الأسواق، وبعدها حاول المجرمون الاستيلاء على محلي، إلا أني تمكنت من منعهم من ذلك. ولكن ما هي إلا أيام، حتى رأيتهم يحرقون محلي. هذه هي حكايتي. فبعد أن عاهدت نفسي على ألا أعود إلى لبنان، ها قد عدت مرغماً واليأس يأكلني».
قبل أن يلقي عدد من اللاجئين العراقيين شهاداتهم، ألقى رئيس مؤسسة «عامل» كامل مهنا كلمة، طالب فيها الحكومة اللبنانية بتسوية أوضاع اللاجئين غير الشرعيين من خلال منحهم إقامات، كي «لا يكون القلق من التوقيف والسجن قوتهم اليومي». وطالب مهنا باسم منظمات المجتمع المدني الحكومة «بالتعاطي مع اللاجئين كأناس حقيقيين، لا كظاهرة اجتماعية، ولا كعبء اقتصادي أو كموضوع إعلامي أو سياسي، وهذا ما تنص عليه المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تصون حقّ اللجوء». أما مدير المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية أحمد كرعود، الذي تلا ملخّص التقرير السنوي الصادر بعنوان «المدنيين العراقيين عرضة للهجمات»، فقد أشار إلى أن السلطة اللبنانية قدّمت أخيراً حلاً مؤقتاً لمشكلة اللاجئين، «ومع أن هذا أمر جيد، لكن من المعيب سجن هؤلاء، لأن هذا لا يتوافق مع معايير حقوق الإنسان، بل وحتى مع الالتزامات الدولية التي أقرّ بها لبنان». وأضاف كرعود «هناك عرف دولي يقول إنه إذا لجأ إلى بلدك شخص ما، فيجب أن تحميه، ولا يمكنك أن ترحّله قسراً إلى بلده حيث تكون حياته في خطر».