أرواح تُزهق على الطرقات، ومعدّل حوادث السير في ارتفاع مستمر. جهات تؤكّد وجود مشروع قانون السير الجديد في لجنة وزارية، وآخرى تصرّ على بقائه في لجنة نيابية. ولم يعد السؤال المطروح يتمحور حول «متّى يُقّر قانون السير؟»، بل تغيّر جذرياً وصار «أين هو قانون السير؟»
زينب زعيتر
صدمت سيارة مجهولة على أوتوستراد خلدة شخصاً أردته قتيلاً على الفور، نتيجة كسور في رأسه وصدره وفرّ الصادم إلى جهة مجهولة. نظراً إلى السرعة الزائدة على طريق المطار أوتوستراد حافظ الأسد، سبّبت سيارة من نوع «مرسيدس» مقتل ثلاثة أشخاص، إضافةً إلى جريح واحد. وذلك بعدما اصطدمت سيارة المرسيدس بعمود الكهرباء وانشطرت نصفين. حوادث يومية ومشهد روتيني مؤلم يتكرر على الطرقات اللبنانية، والضحايا مئات القتلى، معظمهم يُقتلون بسبب قيادة صبيانية متهوّرة. وللأسف، فالموضوع «ليس من أولويات الدولة»، بحسب ما تؤكّد دوماً التصاريح الصادرة عن تجمع «اليازا» المعنيّة بشؤون السير والسلامة العامة على الطرقات.
قانون السير الحاليّ اهترأ بفعل مرور السنوات، فالقانون القديم وُضع عام 1968، وفُصّل بما يتناسب مع شبكة الطرقات وأعداد السيارات والمركبات الآلية حينها. تكثيف المطالبات دفع إلى البحث في مشروع جديد لقانون السير، وبدأت الورشة عام 2005، لكن لغاية اليوم (عام 2010) لا يزال المشروع في الأدراج. وإثر متابعة جديّة ومستمرة من خلال البحث عن حقيقة الدرج، الذي يستقر فيه مشروع القانون، نجد أنفسنا أمام احتمالين يتعلقان بتاريخ بت المشروع، الأول يقدّمه النائب حكمت ديب، العضو في لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، أمّا الثاني، فهو ما قدّمه رئيس تجمّع «اليازا» زياد عقل.
يُذكر أن اقتراح القانون مضت عليه خمس سنوات، تولّت إعداده لجنة خاصة تتألف من خبراء في السير، وسُجّلت بعدها مسودة القانون الجديد في البرلمان اللبناني، ثم أُلّفت لجنة نيابية موسعة لدراسة هذه المسودة، انبثقت عنها لجنة مصغّرة. وظل القانون متنقّلاً بين الاقتراحات لغاية عام 2006، حيث توقّف العمل عليه بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان. في عام 2007 كانت المتابعة، وبدأت اللجنة المعنية اجتماعاتها وإجراء التعديلات المفروضة.
وُضع مشروع القانون قبل خمس سنوات ولم يبتّ بعد رغم تزايد ضحايا السير
«الاجتماع كان مميزاً، وطريقاً لخطوة إصلاحية حقيقية نحو قانون سير جديد يتناسب مع شروط الأمانة والسلامة على الطرقات»، هكذا يصف رئيس تجمّع «اليازا» زياد عقل اللقاء الأخير مع وزير الداخلية والبلديات زياد بارود. يقول عقل «أكّد لنا الوزير زياد بارود أنّه سيصار قريباً إلى إنشاء مجلس جديد لهيئة إدارة السير، وعلى رأسه المدير العام. وهذا الأمر بحاجة إلى قرار من مجلس الوزراء، الذي يسعى إلى تنفيذه قريباً». وبرأي عقل «هذه الخطوة ستكون بداية للتغيير، وإشارةً جيدة إلى العمل الجدّي الذي يقوم به الوزير بارود للخروج من أزمة زيادة عدد حوادث السير في السنوات الأخيرة، وارتفاع أعداد القتلى والجرحى».
يؤكّد عقل أنّ مشروع القانون الجديد «انتهى العمل عليه من جانب اللجان النيابية المشتركة في مجلس الوزراء، وحوّل إلى لجنة وزارية مكلّفة بالموضوع، كان من المفترض أن تجتمع لدراسة اقتراح المشروع منذ شهرين». بحسب معلومات أكيدة وصلت إلى زياد عقل فإنّ هذه اللجنة الوزارية لم تجتمع لغاية نهاية شهر آب «وصلتنا معلومات تفيد بأنّ اللجنة لم تجتمع لمناقشة الموضوع وبتّه بعد، وقد مضى على هذا الكلام شهران ولم تتحرك اللجنة». كما يؤكّد عقل أنّ القانون الجديد من الممكن أن يُقرّ قبل نهاية العام الحالي.
من خلال ما تقدّم به عقل، فإنّ مشروع قانون السير الجديد اليوم بيد لجنة وزارية، لم تجتمع بعد. أمّا النائب حكمت ديب، فكان له قصة ثانية مغايرة لتلك التي بحوزة عقل.
«قانون السير الجديد لا يزال في لجنة الطاقة والنقل، قيد المتابعة»، هذا ما أكّده النائب ديب، الذي يضيف «لا يزال المشروع قيد المتابعة والمناقشة نظراً لضخامته»، ويتحدث عن أهمية «قانون السير الجديد والمتطوّر جداً، لكنّه بحاجة إلى مزيد من الدرس، وتأتي أهميته من كونه يعتمد مبدأ سحب النقاط من دفتر السوق الخاص بكل سائق، وصولاً إلى إلغاء رخصة السوق وسحبها، إضافةً إلى ما يتعلق بالطرقات والضوابط وشروط السلامة العامة المتوافرة فيه». ومبدأ سحب النقاط يعني أنّ السائق لدى حصوله على رخصة سوق يحصل على عدد من النقاط، وهذه النقاط تُسحب منه عتد ارتكابه كل مخالفة، كعدم وضع حزام الأمان، أو تجاوز الإشارة الحمراء مثلاً.
إذاً وبحسب النائب ديب فقانون السير الجديد لا يزال يُدرس في مجلس النواب. وعن مصير القانون يقول «مطلع السنة المقبلة ستكون القراءة الأخيرة للاقتراح، وعندما نتعمّق في القراءة نطّلع مجدداً على التفاصيل، وهذه التفاصيل تتطلّب أحياناً دراسة ومناقشة مجدداً، وبعدها سيُحول المشروع الى اللجان المشتركة لدراسته وإعطاء الرأي فيه". يتابع ديب «لا أرى ما يمنع أن يجري العمل على مناقشة المشروع في اللجنتين النيابية والوزارية معاً».
فأين هو مشروع القانون، ومن هي الجهة التي تدرسه حالياً؟ وهل من الممكن اعتبار هذا التناقض في الحديث عن مكان مشروع القانون مماطلة مفروضة لعدم بت إقرار مشروع سير جديد، من أهم اهدافه تقليل عدد حوادث السير، وبالتالي التخفيف من عدد الأرواح التي تُزهق يومياً على الطرقات؟.
يؤكّد عقل «أنّه لا يوجد أي مبرر لعدم بتّ الموضوع وإقرار المشروع سريعاً»، ويلقي عقل جزءاً من مسؤولية نجاح المشروع أو فشله على عاتق القادة في قوى الأمن الداخلي. يقول «قانون السير الحالي آليات تطبيقه قديمة، والمشروع الجديد يقدّم آليات جديدة وعصرية تساعد قوى الأمن على التنفيذ الفعلي على الطرقات، فتطبيق القانون والتشدد فيه هو من مسؤولية قوى الأمن، إضافةً إلى شرطة البلدية في النطاق البلدي. ويسهم المشروع في تعزيز قدرة قوى الأمن على التشدد في قمع المخالفات». وتعزيز قدرة قوى الأمن تعني أن تُنشأ وحدة متخصصة بالمرور، وهذا التخصص من شأنّه «أن يعطي حوافز للضباط والعناصر للقيام بمهمّاتهم على أكمل وجه».
تأتي أهمية المشروع بحسب عقل «لكونه يؤدّي إلى خفض حكمي لعدد القتلى والجرحى، وهذا إنجاز وطني». أمّا ديب، فيرى أنّه «يجب أن يترافق القانون الجديد مع بعض الضوابط التي لها علاقة بضبط الطرقات وسلامتها، إضافةً إلى استحداث النقل العام المشترك، وهذا ما له أهمية كبرى».


المجلس الوطني للمرور

المجلس الوطني للسلامة المروريّة، هو المجلس الذي يُفترض أن يُنشأ مع إقرار قانون السير الجديد. ولم يلحظ القانون الحالي (أي القديم) ضرورة إنشاء هذا المجلس الذي من صلاحياته: وضع السياسة العامة للسلامة المرورية، وضع منهج امتحانات سوق المركبات، مراقبة المؤسسات العامة والخاصة التي تُعنى بشؤون السير وتقديم التقارير بشأنها، تقديم الاقتراحات اللازمة لتطوير قانون السير وإبداء الرأي في مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية المتعلّقة بالسلامة المرورية والتعديلات على قانون السير. المجلس الوطني يكون برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية بعض الوزراء والهيئات والجمعيات. وفي مواد الأحكام على المخالفات نقرأ في المادة 223 ما يأتي: تُسحب 4 نقاط من دفتر السوق ويعاقب بغرامة مالية كل من ارتكب أياً من المخالفات التالية: السوق عند المنعطفات بطريقة خاطئة، عدم تخفيف السرعة عند الاقتراب من المدارس والتقاطعات، سوق المركبة دون إضاءة عند اللزوم، الرجوع للخلف بصورة تعطّل السير. وفي المادة 227 نقرأ: يعاقب بغرامة مالية كل من لا يستخدم المقاطع المخصصة للعبور، أو السير في الشارع عند توافر الأرصفة.