رامي زريقفي الوقت الذي تلتهم فيه نيران الاحتباس الحراري ما بقي من غابات لبنان، مفسحةً المجال للمزيد من الزحف العمراني في المناطق البرية، تستعد بعض المنظمات غير الحكومية الخضراء «المحترفة» للقيام بنقلة نوعية من عالم العمل الميداني الى عالم الاقتصاد والأسواق الخضراء. فقد دعا منذ بضعة أيام برنامج الأمم المتحدة للبيئة «يونيب» من يعدّها نخبة الجمعيات البيئية العربية، للتشاور معها في قضايا الاقتصاد الأخضر والاستهلاك والإنتاج المستدامين. وبغضّ النظر عن أسلوب انتقاء الجمعيات وعن تاريخ الجهات المنظمة، لا بد من الإشارة الى بعض البديهيات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمهمة الجديدة. تعدّ المقاربة الكلاسيكية للاقتصاد، كما المقاربة النيو كلاسيكية، الطبيعة بمثابة «هبة مجانية» يستعملها المستثمر لإنتاج السلع ولتكديس الأرباح، الى أن تنفد مواردها، فجشع النظام الرأسمالي لا يعرف حدوداً. ويمكن إعطاء أمثلة عديدة على ذلك، منها الامتداد العشوائي وغير المكبوح للعمران على الأراضي الزراعية والأحراج، أو انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي يستحيل تنظيمها ما دامت تتضارب مع عملية «النمو» الاقتصادي. والسبب هو أنه مع كل انخفاض في وتيرة الإنتاج والنمو، يعاني النظام الاقتصادي العالمي السائد أزمات تذهب ضحيتها الطبقات الهشّة. لذلك، يستحيل تصوّر عالم يسوده النظام الرأسمالي، ويقبل القيمون عليه والمستفيدون منه وضع حدود للاستهلاك، من دون أن يؤثّر ذلك سلباً في واقع الطبقات الهشة. يكمن الحل الوحيد لهذه المعضلة في تحدي النظام الاقتصادي السياسي السائد برمّته، لا في تبني بعض الإصلاحات التجميلية. فهل الجمعيات الأهلية مستعدة لخوض هذه المعركة التي سوف تواجه فيها عرّابيها ومموّليها الدوليّين؟