أحمد محسنلم يحضر إلا رجلان، كانت البقية من النساء. بضع عشرات منهنّ، أتين للمشاركة في حلقة النقاش التي دعا إليها التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني، حول «العنف القانوني ضد النساء ضمن قوانين الأحوال الشخصية في لبنان». كان لقاؤهنّ، أمس، فرصة لإحياء اليوم العالمي لمناهضة العنف، وللتذكير بزميلتهنّ الراحلة وداد شختورة. كثر الحديث عن وداد، وعن تجربتها الطويلة في قضايا حقوق المرأة.
بدا لافتاً تركيز نائبة رئيسة التجمع المنظّم، جمانة مرعي، في كلمتها الافتتاحية، على مجموعة من المصطلحات، كالديموقراطية والعلمانية، كمنطلقات أساسية لدراسة قوانين الأحوال الشخصية. انطلقت من هذه العناوين العريضة، لتمهّد الطريق أمام منسّقة مشروع مناهضة العنف ضد النساء، كارولين سكر، التي بدأت مداخلتها بالسؤال: هل يُنتج القانون عنفاً؟ وأشارت سكر إلى أن قانون الأحوال الشخصية اللبناني ما زال على حاله منذ العهد العثماني. وقعت المعلومة كالصاعقة على وجوه بعض الحاضرات. ولاحقاً، بدت الأمور الأخرى التي تناولتها مرعي طبيعية، بالنسبة إلى عدد كبير منهن، كأنهن اعتدن عليها. وانتقدت مرعي وجود موقع «رب الأسرة» من أساسه، ورأت في ذلك تكريساً لسلطة الذكر، حتى في عملية تعريف دور الأفراد داخل الأسرة. الويلات أكبر في الممارسة. تدلّ معطيات سكر على أن حضانة الأطفال تمثّل عاملاً قوياً، يستغله الرجل لابتزاز المرأة، مستقوياً بالمرجعية الدينية، في غالبية مذاهبها. يمكن أن يجبرها ذلك على تحمل العنف، للبقاء على مقربة من أطفالها، وتالياً، لا يصار إلى طردها من منزلها. زد على ذلك أموراً أخرى تكاد تكون بديهية في المجتمعات، إذ تسمح بعض الأديان بتعدد الزوجات، وتبيح البيئة الاجتماعية الزواج المبكر، وتجبر بعض الزوجات على الجماع بالإكراه، وهو لا يختلف عن الاغتصاب كثيراً. لم يفت المنسّقة أن توضح أن التمييز ضد النساء ليس خاضعاً لاعتبارات طائفية محددة، ففي رأيها أن بعض مواد قانون العقوبات لا تزال تمثّل تحريضاً على العنف ضد النساء، يتجلى بوضوح في ما يعرف بجرائم الشرف. هكذا، وفي ظل «قوننة» العنف ضد الأنثى، يصبح التمييز أمراً واقعاً في صلب سياسة الدولة. وطالبت سكر بإقرار قانون مدني «اختياري» للأحوال الشخصية، ورفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والأهم من ذلك، إلغاء نظام المحاكم الخاصة، وإنشاء محكمة واحدة متخصصة بشؤون الأسرة.
بعد كلمة للدكتور عبدو رفاعي، رأى فيها أن القانون قد يكون عائقاً في بنية الأسرة، بصيغته الحالية، لفتت الناشطة الحقوقية ماري روز زلزل، إلى أن نسبة المرأة العاملة النسوية هي 23% فقط، موضحة أن النظام اللبناني يعتمد مبدأ فصل الأموال بين أفراد الأسرة الواحدة، ما يميّز الرجل مادياً، ويعزز سيطرته، مستنداً إلى قوانين توزيع الإرث في كثير من الأحيان. وختم المحامي والباحث نزار صاغية المحاضرات، فتناول الشق الأساسي من الندوة، وهو علاقة المرأة بالقضاء. ونبّه صاغية إلى ظاهرتين مضيئتين أساسيتين، في تاريخ هذه العلاقة، أبرزهما قرار القاضي جون قزي بحق سيدة لبنانية بمنح الجنسية اللبنانية لأولادها (راجع «الأخبار» 17 حزيران 2009). وقد سبقتها سلسلة من التحركات الحقوقية قام بها قاضيا الأحداث: فوزي خميس وجناح عبيد. وفي رأي صاغية، هناك طاقات في القضاء، يمكنها إرساء العدالة والحريات للجميع، لكن القضاء بحاجة «إلى دعم وحماية أيضاً».


فعالية القضاء المدني

شدد الباحث القانوني نزار صاغية في كلمته في حلقة النقاش التي دعا إليها التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني، أمس، على ضروة نقل النضال من أجل الحريات العامة من السياسة إلى القضاء، وخاصةً أن القضاء مجبر على التحرك. وعرض عدداً من المسائل التي يمكن النفاذ منها من طوق المحاكم الشرعية، كدعاوى التحرش الجنسي، والصرف التعسفي. ونوّه بقرارات هيئة الاجتهادات العامة لمحكمة التمييز في إطار توضيح فعالية دور القضاء المدني في بعض القضايا الأسرية. وذكّر صاغيّة بأن لبنان، رغم تحفّظه على بعض بنود اتفاقية القضاء على العنف ضد المرأة (بند منح الجنسية تحديداً)، فإنه وقّع على اتفاقية الطفل من دون أي تحفّظ، علماً بأنها تنص على حق الطفل بالحصول على الجنسية. وفي السياق نفسه، أبدى صاغية أسفه لواقع المحاكم الشرعية، التي «سخر أحد قضاتها يوماً في مراجعته من عبارة الصحة النفسية للطفل».