إبراهيم الأمين
عادت الولايات المتحدة الى استئناف عملية ضغط مباشرة وكبيرة على لبنان ودول أخرى في المنطقة، ربطاً بما تعتبره أولوية لناحية تنظيم الوضع في العراق وفلسطين، وفقاً لمبدأ جديد يقول إن إيران تمثل اليوم العدو المركزي والمشترك لها ولإسرائيل ولحكومات العرب المعتدلة.
وأكدت مصادر دبلوماسية وخبراء أن النقاش مستمر بدقة بين الإدارة الأميركية بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني وإسرائيل ودول الرباعية العربية، ومع تركيا أيضاً، في شأن «سبل مواجهة الخطر الإيراني الذي يستهدف المصالح السياسية والثقافية والاقتصادية»، كما ينقل أحد الدبلوماسيين عن مسؤول أميركي رفيع المستوى، يقول أيضاً إن «الأمر ببساطة يتعلق بأن إيران تمثل تهديداً مباشراً للدور السني في كل من لبنان والعراق ودول الخليج، وإن تهديدها للمصالح الاميركية يتعاظم بأكثر مما كان عليه عام 1979، وهي تمثل اليوم قوة الدعم الرئيسية لمنظمات حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي في صراعها مع إسرائيل، وبالتالي فإن تأثير إيران في المنطقة يتصاعد بقوة وسرعة، ولها أذرعها المباشرة في العراق ولبنان وفلسطين ودول الخليج، وهي الحليف الاستراتيجي لسوريا. وستسرع من خطواتها لتكون دولة نووية تمثّل خطراً يصيب أوروبا وبقية العالم الاسلامي في آسيا أيضاً».
ويأتي كلام هذه المصادر في سياق عرض للخطوات التي تتجه الولايات المتحدة الى تكريسها في لبنان، الآن وفي المرحلة المقبلة، وخصوصاً أن هناك خشية لدى فريق 14 آذار من تراجع الاهتمام مع خروج الرئيس الفرنسي جاك شيراك من قصر الإليزيه. ويرد الكلام أيضاً في سياق ما تفترضه الإدارة الاميركية من الحرب الأخيرة بوجه إيران وسوريا وقوى المقاومة في المنطقة.
وبحسب هذا العرض فإن ما هو مقرر الآن في شأن لبنان يقول بدعم غير مشروط للقيادة السنية الحالية، والابتعاد عن أي مواجهة مسلحة شاملة وخاسرة مسبقاً مع الآخرين، ومواصلة الحملة غير المحدودة الإطار والمكان من أجل تجريد حزب الله من سلاحه بأي ثمن، والتركيز على دعم مفتوح للجيش اللبناني في كل المجالات، والعمل دبلوماسياً «لمنع سوريا ورئيسها بشار الأسد من التدخل في لبنان».
ويقول مسؤولون أميركيون إن الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس المصري مبارك مصران على «مواجهة طموحات السوريين في لبنان وعلى تلقين الرئيس الأسد درساً لا ينساه، وإن هناك جهوداً لمنع أي تقارب معه في هذه الفترة».
أما عن ترجمة الدعم المطلوب من الحليف اللبناني، فإن المصادر نفسها تشير الى نقاش في جانبين: الأول يقول بعدم توفير أي نوع من الدعم لأي مشروع سياسي للمعارضة اللبنانية، واللجوء الى استراتيجية «وقف المشروع» عنواناً للتعامل مع المعارضة ومنعها من التقدم ومن تحقيق أي هدف سياسي. «أما التدهور الاقتصادي فيمكن تعويضه من خلال الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية».
وفي شأن الوساطات المطلوبة لمنع المعارضة من تحقيق أهدافها، فإن واشنطن دعمت مبادرة سعودية ـــــ إيرانية حدودها تثبيت الحكم القائم ولو بكلفة قليلة تدفع للجانب الشيعي في لبنان، لكن يبدو أن بندر بن سلطان تعهد أمام من يعنيهم الامر بأنه لن يكون لسوريا أي دور في أي تسوية حول لبنان، وهو عمل على تثبيت هذا الكلام مع مسؤول رسمي رفيع في الادارة الاميركية قال إن بندر «وعد واشنطن بأن الاتفاق مع إيران حول لبنان لن يمنح بشار الأسد نفوذاً جديداً. وذلك انطلاقاً من شعور الولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول العربية بما فيها السعودية بأن على سوريا أن تدفع غالياً ثمن حلفها مع إيران».
ويجد الفريق الذي يعمل على هذا المشروع، والذي يشارك فيه الى جانب بندر عدد من المسؤولين الأميركيين يتقدمهم ديفيد ولش، أن على الفريق السياسي والإعلامي «أن يشن حملة من دون توقف ضد حزب الله وسلاحه، وأن يجري الضغط على الرأي العام الآخر في لبنان بغية عزل الحزب، وأن يُردد بصورة متواصلة وعلى مسامع كل القوى المسيحية أن مصالحها ستكون محفوظة خارج التحالف مع حزب الله وهو ما يشجع السفارتين الأميركية والفرنسية (بدعم وتغطية من كل السفارات الغربية، وسفارات التحالف الرباعي العربي) على بذل كل الجهود بهدف إضعاف العماد ميشال عون داخل المجتمع المسيحي، والضغط عليه بقوة لدفعه الى التخلي عن حلفه مع حزب الله. وتقوم هذه الجهات بواسطة جهات سياسية لبنانية بإحصاء نصف شهري للوقوف على واقع الرأي العام المسيحي».
ويندرج في هذا السياق «الحرص» الاميركي المستجد على مصالح المسيحيين في لبنان بالطريقة التي عبّر بها وولش في تعرضه المباشر للعماد عون، وإظهار فريق أساسي في الادارة الاميركية رفضه بناء أي علاقة مع الأخير إذا لم يبادر الى الخروج من المعارضة والانسحاب من تفاهمه مع «حزب الله». وفي المقابل يعمد هذا الفريق الى ممارسة الضغوط الاضافية على الكنيسة والبطريرك الماروني نصر الله صفير، وإلزام القوى المسيحية في فريق 14 آذار التعامل بمرونة وإيجابية مع تجيير كل الدعم الآن لمصلحة «القوات اللبنانية» كمنازع رئيسي للعماد عون، وهو الأمر الذي انعكس فتوراً في العلاقة بين أقطاب مسيحيين وبين الإدارة الأميركية.
وبالنسبة الى الدعم المادي فإن أصحاب هذه الخطة يشيرون الى «ان الأموال التي قدمتها واشنطن للبنان من خلال باريس 3 ستذهب بالدرجة الاولى الى دعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وفقاً لاعتقاد بأنه مع زيادة الخدمات من الاميركيين، فإن الجيش لن يظل على الحياد وسيكون مع من هو في السلطة الشرعية وهذا أمر مهم».
أما بشأن الواقع الشيعي فإن الخطة تقضي بـ«توجه الجانبين الاميركي والفرنسي وجهات أوروبية الى تعزيز حضور شخصيات شيعية معارضة لتحالف أمل وحزب الله، وفي حال نجاح مشروع تجريد المقاومة من سلاحها فإن الشيعة يعودون نحو فكرة الاختباء داخل المجتمع اللبناني بصورة طبيعية. مع استمرار عمل فريق 14 آذار على استراتيجية التفريق بين الشيعة وحزب الله، وعدم التخلي عن سياسة الاحتواء للرئيس نبيه بري الذي يجب أن يعامل دوماً كطرف بعيد عن حزب الله وسوريا».

[غداً: عودة إلى سلاح المقاومة]


الجزء الأول | الجزء الثاني