إبراهيم الأمين
حتى اللحظة لم يصدر عن مجلس الوزراء أي قرار بتحديد إطار للعملية العسكرية التي يقوم بها الجيش اللبناني في نهر البارد. منذ اليوم الأول كان هناك نقاش صعب لطريقة تصرف الجيش والقوى الأمنية، الشكوك كبيرة في كيفية ادارة اللعبة. فريق 14 آذار الذي يمسك بزمام السلطة يعرف دقة الموقف مع المؤسسة العسكرية. لم تكن هي يوماً جزءاً من منظومته السياسية والامنية، وقوى الامن الداخلي التي تولت دوراً أساسياً في ملاحقة المجموعات الاسلامية المسلحة وخصوصاً في الشمال، بدت غير قادرة على تولي أمر تصفيتها، عدا عن أمر عسكري بهذا الحجم يتطلب قوة مثل الجيش. ومع ذلك فإن فريق 14 آذار أخذ وقتاً عند الاقتراب من القرار. ثمة الكثير من الكلام على الجيش ودوره المحوري وحياده وسعيه الى حماية سيادة لبنان واستقلاله، وهو الكلام الذي قيل عكسه قبل نحو 3 شهور عندما اتهم الفريق نفسه الجيش نفسه وقيادته نفسها بالتخاذل أمام المتظاهرين من قوى المعارضة. ومع ذلك فإن على الناس أن يصدقوا أن فريق 14 آذار بقضّه وقضيضه يقف الآن خلف الجيش في معركته هذه.
ولأن هذا الفريق يعرف صعوبة الأمر، ولم يحصل أن تجرأ على قرار الحسم بمعناه الإجمالي كما عرفه وليد جنبلاط وسمير جعجع على شكل مذابح من هنا أو هناك، فإن تورط سعد الحريري ومن ثم فؤاد السنيورة في اعتماد هذه اللغة لن يغير شيئاً في واقع أن المطلوب من الجيش مهمة قاسية. وجرت على عجل، من لبنان وخارجه، دعوة الوزير الياس المر الى لبنان لمواكبة ما يحصل. هذا لا يعني أن المر لا يهتم بأمر المؤسسة العسكرية الواقعة تحت وصايته، ولكنه يعرف أكثر من الآخرين أن ما هو معروض من مهمات يتطلب غطاءً سياسياً لا يمكن توفيره بخطاب أو بيان صحافي ولا بقليل من الدعاية الاعلامية التي غالباً ما أضرت ولم تنفع. لكن المفاجئ كان أن المر بدا متوتراً منذ اليوم الأول، وظهر ذلك أكثر في مداخلاته أمام مجلس الوزراء وخصوصاً في الجلسة الأخيرة عندما رفض تساؤلاً عما إذا كان الغطاء السياسي العام الذي يحتاج إليه الجيش متوافراً في لبنان اليوم، عدا عن أن أموراً كثيرة حصلت لم يبتّ أحد بعد حقيقتها، مثل القول إن المر نفسه هو من التزم أمام الرئيس فؤاد السنيورة وقادة سياسيين آخرين وحتى أمام دبلوماسيين أجانب بأن الجيش سوف ينهي خلال يومين أو ثلاثة أيام على أبعد تقدير مهمته، وأن كلامه هذا يستند الى معطيات قيادة الجيش، ومع أن المر لا يؤكد هذه المعلومة فإن قيادة الجيش عادت وذكرت بما قاله العماد ميشال سليمان في أول جلسة سياسية ــــ أمنية من أن لعبة الحسم على طريقة اقتحام مخيم نهر البارد أمر غير وارد، وأن مهمة إنهاء مجموعات فتح ــــ الإسلام يتطلب عملاً مختلفاً فيه العسكري وفيه الامني وفيه السياسي أيضاً. وفي هذه الحالة، لا يمكن ترك الأمر كله الى الجيش، وهنا بيت القصيد.
فالجيش مثلاً لا يقدر على اتخاذ قرار منفرد بالهدف النهائي، وهو إن كان ملزماً تقديم تقديرات وخطط للتعامل مع هذه القوة عسكرياً أو أمنياً، فهو ليس مسؤولاً عن القرار السياسي. وكان على السلطة أن تبادر هي الى مقاربة التقديرات الميدانية من جهة وواقع الجيش من جهة ثانية وواقع القوة العدوة من جهة ثالثة وواقع البلاد العام من جهة رابعة قبل أن تسير باتجاه معيّن، ولكن يبدو أن المنطق الثأري الذي يسود عقل المتحكمين بأمر فريق 14 آذار من قادة ووزراء وتصرفهم في ملف المحكمة الدولية شاهد على ذلك، هو نفسه المنطق الثأري الذي يتحكم بالموقف ممّا يحصل حالياً. فتكون النتيجة «سوف نسحقهم، سوف نستأصل هذا الشر، سوف ننهي أمر هذه العصابة، سوف نقضي عليهم، سوف نبيدهم من جذورهم، وسوف وسوف وسوف» من العبارات التي تنتهي الى قرار واحد: يا قيادة الجيش أجهزي على هؤلاء بأي ثمن!.
وبدل أن يدرس مجلس الوزراء الأمر من زاوية أن صعوبات وتداعيات تواكب عملاً من هذا النوع، وبدل أن تلجأ هذه السلطة الى بحث مستفيض في آلية التعامل مع ملف له متفرعاته الامنية والسياسية والاجتماعية، تراها تلجأ الى دفع الجيش نحو الزاوية والقول له: اسمع، أنت أمام الاختبار الحاسم، لقد قُتل جنودك وذبحوا في أسرّتهم، وخطفوا عن الطرقات وغُدر بهم، وعليك أن ترد الهيبة الى صورتك أمام الجمهور، وعليك أن تفرض نموذجاً في التعامل حتى يتعلم من يجب أن يتعلم في بقية البلاد» وصولاً الى عبارات على شكل تمنّيات أو توقعات في غير مكانها كالتي خرجت بها الزميلة مي شدياق «هل نحن الآن أمام الجيش القوي والقادر» وفي بالها همّ واحد تعبّر عنه مباشرة «حتى نرى الجيش وحده يمسك بالأمن في الجنوب» وهي تحاكي ما هو حاضر في ذهن فريق 14 آذار الذي تنتمي إليه زميلتنا العزيزة، وهو أن هناك من يفترض أن تجربة الجيش في نهر البارد تقود نحو وضعه أمام آلية عمل وتسليح وفق برنامج مساعدات يقوده حكماً بعد فترة من الوقت الى رفع الراية بوجه المقاومة طالباً إليها الاستسلام وتسليم السلاح.
على أي حال، ما يخشاه الناس في هذه الحالة أن تنتهي هذه التجربة على نتيجة أشدّ قساوة في ظل «القيادة الحكيمة» لقادة ثورة الأرز المستمرة حتى آخر لبناني، وأن يكون الحل بالنسبة للاستراتيجية الدفاعية هو دمج الجيش في المقاومة وليس العكس. لكن ذلك لا يلغي أن جهات فريق 14 آذار هي التي تتولى ملاحقة الأمور السياسية والتسريبات الخاصة بالمواجهة القائمة الآن. فوسائل الاعلام التابعة لهذا الفريق هي التي توزع الأخبار على الجمهور، والأجهزة الامنية التابعة لفريق 14 آذار هي التي تسرّب معلومات عن مخططات ومخاطر فتح ـــــ الإسلام. وقادة هذا الفريق من وزراء ونواب وسياسيين هم الذين يتولون النطق على طريقة كل ما يصدر عن هؤلاء يميناً وشمالاً: لا حل إلا بالقضاء على هذه العصابة المجرمة.
أعان الله الجيش على مأساته المتنقلة والمستمرة كلما تأخر في ردع مزدوج: ردع هذه المجموعات المسلحة وردع المجموعات السياسية الأشدّ فتكاً بالناس وبالجيش أيضاً.