يفخر النائب بطرس حرب أنه كان السبّاق إلى إحداث تقليد الرئيس والبرنامج. ترشّح للمرة الأولى عام 1998 ببيان عن برنامج رئيس، لا إعلان ترشيح فحسب. كرّر المحاولة عام 2004، وفي نهاية آب كذلك. في المحاولتين الأوليين أدرك سلفاً أن وجود سوريا وجيشها في لبنان وتوازن قوى فرضاه يحولان دون وصوله. كان عليه أن يؤكد، مذذاك، أنه يريد حفظ حق مَن يسميهم الإستقلاليين والسياديين في الوصول إلى الرئاسة، فلا يظلوا على هامش حكم تديره دمشق، ويكتفوا بالصراخ والإحتجاج والرفـض والتصويت ضد. اليوم أضحوا ـ وحرب أحدهم ـ في الحكم يتطلعون إلى إعادة المنصب إلى أصحابه.

نقولا ناصيف

  • هل أنت مرشح الثلثين أم مرشح النصف زائداً واحداً، مرشح من؟




  • ــــــ أنا مرشح فحسب، وليس من الضروري أن تكون هناك صفة مرتبطة بالنصاب. وأعتقد أنني قادر من خلال ما في جعبتي من خبرة وتجربة في عملي السياسي أن أضعها في تصرف بلدي. لبنان يمر في مرحلة خطيرة جداً تستدعي عدم انكفاء أي من الأشخاص الذين لهم قدرات عن التضحية في سبيل وطنهم أو العمل في الميدان العام أو قيادة مشروع إصلاحي وإنقاذ البلد. ومن هذه الزاوية أطرح ترشحي، وليس من جهة النصاب والظروف. ترشحي أبعد مدى من هذه الإشكالية. ليس لي رغبة في الوصول إلى الرئاسة في أي ظرف كان، وخصوصاً إذا كان لا يساعد على تطبيق المشروع الذي أؤمن به. فإذا لم يكن في وسعي تطبيق مشروع إنقاذ البلد والأفكار التي أرى أنها لمصلحته وأنني سأتلهى في ظروف غير ملائمة في صراعات داخلية مع الفريق الذي يرفضني، والذي قد يترجم رفضه لي ليس فقط بمعارضة ديموقراطية أرحب بها، بل أيضاً باستمرار الحال على ما هي عليه الآن من جمود، فلن أكون راغباً في الاستمرار في هذا الترشح. ما يعني لي حمل لقب رئيس الجمهورية هو أنني أنجزت شيئاً للبنان. كذلك الطلب من الناس أن يهنئوني، وأنا أغادر المنصب لا عند انتخابي. أما في موضوع النصاب، فسبق لي أن أعلنت موقفي، وهو ليس تكتيكاً سياسياً، بل أنا أؤمن بأنني إذا انتخبت في ظرف مغاير للاتفاق على ممارسة ديموقراطية سليمة أو من ضمن اتفاق على انتخابي، فلن اعتبر الظرف هذا يؤهلني للنجاح في مهمتي رئيساً للجمهورية. وإذا انتخبت في ظل جو خلافي حول النصاب، فسيكون معرقلاً لإمكان حمل مشروع إنقاذ لبنان. ليس لدي توق للوصول إلى رئاسة الجمهورية بأي ثمن كان.

  • يبدو من المواقف المعلنة لقوى 14 آذار أن هناك تعارضاً في الموقف من مرشحي هذا الفريق. البعض يتحدث عن مرشحين، والبعض الآخر عن واحد، والبعض الثالث يتحدث عن أكثر من مرشحين، فهل حسمت قوى 14 آذار اسم مرشحها؟

  • ــــ عندما نصل إلى مشارف الخيار الأخير، سيكون لقوى 14 آذار مرشح واحد لا أكثر. هناك الآن مرشحون من 14 آذار لا مرشح لـ14 آذار. لا أحد يستطيع القول إنه مرشح 14 آذار. قالت هذه القوى إن لديها مرشحين هما نسيب لحود وبطرس حرب، إلا أنها لم تعلن من منهما سيخوض المعركة. كنا في 14 آذار قد طرحنا طريقة التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي بحيث تجتمع قوى 14 آذار وتعلن مرشحها النهائي، وأن تدعو في الوقت نفسه إلى التوافق مع المعارضة تفادياً لإشكالات في النصاب. وبسبب ذلك ارتأيت، وكنت أنا صاحب الفكرة وأيدها زملائي، أنه إذا كنا نريد البحث في توافق مع الفريق الآخر فمن غير الجائز طرح اسم واحد، أياً يكن هذا الاسم، إلا إذا كنا في صدد المناورة وطرح هذا الاسم لإحراقه سلفاً، وطبعاً لم يكن هذا الهدف ولا يجوز أن يكون لأن هذه المناورة رخيصة. فكان أن اتفقنا على أن يفسح في المجال أمام كل راغب في الترشح كي يتقدم بترشحه منطلقاً من مبادئ 14 آذار. ومن هذه الزاوية ترشح نسيب لحود ونايلة معوض وأعلنت أنا ترشحي، وكل منا بأسلوبه.

  • وروبير غانم؟

  • ـــــــ هو الذي أعلن أنه ليس مرشح 14 آذار. ولو أعلن العكس لكان بالطبع جزءاً من المرشحين. وحتى الآن كما ألمس فإن قيادات 14 آذار أعلنت أنها مع الاسمين المرشحين، أي نسيب لحود، وأنا من دون أولوية أحدهما على الآخر، لأن الترشح النهائي في داخل قوى 14 آذار لم يحسم بعد. ربما كان هناك ميل لدى بعض أفرقاء 14 آذار إلى هذا المرشح أو ذاك. لكن القرار لم يبت بعد في المرشح النهائي. الموقف سيكون واحداً. وكل محاولة لفرط 14 آذار على مشارف الاستحقاق الرئاسي أعتقد انه عمل غير مجد ولن يفضي إلى نتيجة بحسب معرفتي بطريقة عملنا المشترك، لأن ما يجمع بين أفرقاء 14 آذار ليس المصلحة، بل التوجهات الوطنية ودماء الشهداء والتضحيات. المسألة لا تتعلق بمصالح وظروف وشخصية الرئيس.

  • هل تميز بين الاتفاق على رئيس والاتفاق على برنامج؟

  • ـــــــ يختلف مفهوم البرنامج الجاري الكلام عليه في لبنان عن مفهوم البرنامج الكلاسيكي في الأنظمة الديموقراطية. لذلك فإن الاختلاف ليس لفظياً. رئيس الجمهورية لا يملك السلطة التنفيذية وسلطة اتخاذ القرار ويلزم اللبنانيين به، بل هو رئيس جمهورية لبنان. وهناك نوعان من رؤساء الجمهورية: إما الرئيس الذي يتصرف كخيال صحراء لا علاقة له بمهمته ولا رأي ولا خبرة ورؤية له، وإما الرئيس المدرك العارف والخبير الذي له رأي ويطرحه في مجلس الوزراء. أما الاختيار بين المرشحين فليس في المظهر الخارجي والعلاقات الشخصية، بل يجب بعد هذه القفزة النوعية للبنان التي تجسدت في الأحداث الأخيرة منذ سنتين واستعادته سيادته أن يواكب هذا التطور الكبير بتطور آخر ديموقراطي كبير هو أن يطلع الرأي العام على المرشحين للرئاسة وعلى ماذا يحملون في عقولهم وتفكيرهم ومشاريعهم وتصوراتهم. وأعتقد أنها خطوة مهمة على الصعيد الديموقراطي لأن المرشحين تمكنوا هذه المرة من إرساء تقليد كنت أول من أقدم عليه عام 1998، عندما أعلنت ترشحي للرئاسة مقروناً ببيان ـــــ برنامج ونجحت في تحقيق هذا التقليد، ثم تكرر عام 2004 مع مرشحين آخرين انضموا إليّ. وها نحن اليوم سنة 2007 نعيد التأكيد على هذا التقليد. لذلك فإن الرأي العام اللبناني يشارك في هذا الترشيح عبر الاطلاع عليه ومواكبته، وهذا هو المطلوب، لذلك أقول إن اختيار الرئيس المقبل يجب أن يكون بين خيارين: رئيس للشكل أو رئيس للفعل. وأنا أرفض أن أكون رئيساً شكلياً. وبسبب ذلك طرحت رؤيتي للرئاسة وللبنان الغد واقتراحات الحل، وسميتها بيان ترشيح يتضمن رؤية للمشاكل وتصوراً للحلول، ولم أقل إنها برنامج. وأنا بذلك التزم أمام الرأي العام تسويق الأفكار التي طرحتها في مجلس الوزراء، وحتى في مجلس النواب من خلال حقي في توجيه رسائل إليه، وهذا ما أريد التزامه، مع معرفتي بأن مجلس الوزراء قد يتبنى هذه الأفكار، أو لا يتبناها أو يضيف إليها أو يعدلها، وأنا كرئيس للجمهورية أضطلع بدوري وصلاحياتي حيال ذلك. ووفق هذه القاعدة ينبغي تحديد الموقف من المرشح سواء بالنسبة إلى المواطن الذي يقتضي أن يطلع على أفكار المرشح، أو بالنسبة إلى النائب الذي عليه أن يقترع تبعاً لذلك، لكونه منتدباً من المواطن العادي. الاتفاق على البرنامج ظاهرة إيجابية، ما يعني أنه ليس هناك أي رفض من المعارضة للأفكار المطروحة. وهذا يعني أن هناك إمكاناً حقيقياً كي تصل الغالبية النيابية والمعارضة إلى تصور مشترك ليكفية حل المشكلات. في حين أن الخلافات هي في الواقع ذات صلة بحساسيات سياسية من نوع أن هذا الفريق يريد الانتصار على الآخر أو العكس، أو أن هذا يريد رئيساً من جماعته، وكذلك الآخر. في هذا الأمر عامل صحي ومرضي في الوقت نفسه.

  • عندما تقول المعارضة إنها تعارض انتخاب رئيس من قوى 14 آذار كأنها تقول إنها لا تثق بهذا المرشح لتطبيق البرنامج المتفق عليه.
    ــــــــ عندما طرح الرئيس بري مبادرته انطلق من أنه ليس هناك شروط مسبقة، ونحن قبلنا بالمبادرة على هذا الأساس، أي إننا لا نرفض مرشحاً من 8 آذار، لأنهم من 8 آذار، ولا 8 آذار ترفض مرشحي 14 آذار لأنهم من 14 آذار، بل نعمل للتوافق على هذا المرشح من خلال ما يحمل من تصور ومسلكية تشجع على تأييده. وانطلاقاً من هنا أيدنا مبادرة الرئيس بري. ولم أسمع في 14 آذار رفضاً لمرشحي 8 آذار. لم يقل أحد إنه يرفض ترشيح العماد ميشال عون، بل قلنا إنه من الأسماء المطروحة للتداول. وأعتقد أن هذا هو الإطار أيضاً في 8 آذار. لا أظن أن وجود أحدنا في 14 آذار هو تهمة أو جرم شائن، وكذلك الأمر بالنسبة إلى 8 آذار.

  • لكن سيكون هناك رئيس واحد، في حين أن طرفي النزاع يتبادلان الفيتوات، كأن المطلوب رئيس لا من هنا ولا من هناك.
    ـــــــ أنا ضد رئيس لا من هنا ولا من هناك، وضد مرشحي التسوية الذين لا رأي لهم ولا تاريخ نضالياً لهم ولا تصور سياسياً. قد يكون لهم ذلك ونحن لا نعلم. لا يمكن انتخاب رئيس هو صندوق نفسه ولا نعرف ماذا في داخله، وإذا فتحناه نخشى منه، ليس هكذا ينتخب الرؤساء، بل وفق تاريخهم وممارستهم والمبادئ التي ناضلوا من أجلها في حياتهم السياسية والتمسك بالحريات الديموقراطية والسيادة الوطنية وعدم المساومة عليها وتطلعهم المستقبلي وقدرتهم على تحديث الدولة وبناء إدارة جديدة قادرة على مواكبة حاجات المستقبل. ومع تقديري لبعض العناصر الممتازة في الإدارة والقضاء اللبناني، لكن لدينا حالة فيهما تحتاج إلى معالجة جذرية وجدية. فإذا لم يكن لدى الرئيس توجه إصلاحي كهذا بل تصور إصلاحي، فلماذا انتخابه؟ أنا بذلك أكون أفوت الفرصة الثانية للبنان التي تعطى له الآن كي يتمكن اللبنانيون بعد الفرصة الأولى في استقلال عام 1943، من بناء دولة حديثة قادرة على الحياة. عاد الأمر اليوم إلى اللبنانيين كي يقرروا ماذا يريدون.

  • كيف يمكن أن تكون أنت ضماناً للمعارضة كي تقول إنها تؤيد انتخابك للرئاسة؟

  • ــــــــ بيان ترشحي هو الضمان، وقد طرحت فيه تصوري. أما إذا كان المطلوب تقاسم الحصص، فهذا يعني أننا ذاهبون إلى دكان، لا إلى بناء دولة. أنا لدي مشروع دولة، وطرحت تصوراً لمعالجة مشاكل لبنان، ولم أترك في بياني قضية أو مشكلة يعانيها لبنان إلا وتصديت لها، وأعطيت رأيي في المعالجة والحلول. أما مقايضة الأصوات بمقاعد ومناصب، فأنا لست الرجل المناسب ولست من يفتح بازارات، ولست مرشحاً لدور كهذا.

  • هل سيكون الرئيس المقبل رئيس تنفيذ
    القرارات الدولية؟

  • ــــ يجب أن يكون الرئيس توحيدياً ويعيد الحياة الديموقراطية إلى البلد وتوحيد اللبنانيين على مشروع إعادة بناء الدولة من جديد وتكريس السيادة. أما الوسائل فقد تكون بالقرارات الدولية أو سواها. لكن في النتيجة، هذا الرئيس إذا كان ديموقراطياً ووطنياً ولديه معرفة عميقة بتركيبة المجتمع اللبناني بما يسمح له بالتعاطي بحكمة ووعي واعتدال مع كل القوى السياسية، فسيكون مؤهلاً بالتعاون معها لقيادة البلاد نحو الخير. المهمات التي تنتظر الرئيس المقبل تتصل أيضاً بالقرارات التي اتخذت على طاولة الحوار الوطني كالسلاح الفلسطيني وترسيم الحدود مع سوريا والتمثيل الدبلوماسي معها ومزارع شبعا، والسهر على حسن تنفيذها. على ماذا نحن مقبلون؟ هل على العودة إلى ما كنا عليه من ممارسة السياسة في الماضي التي خربت لبنان؟ إذا كان الأمر كذلك، فأنا لست فارس المرحلة المقبلة.

  • البعض في 14 آذار يصر على إجراء انتخابات بنصاب النصف زائداً واحداً لمنع سوريا من التدخل في الاستحقاق الرئاسي أو عرقلته، كما لو أن هذا البعض يقول إن نصاب الثلثين يؤدي إلى إعطاء سوريا دوراً في الاستحقاق؟

  • ــــ المشكلة المطروحة في الصراع السياسي هي كيفية حماية الإنجازات التي تحققت في السنتين الأخيرتين وسبل بناء دولة مستقلة غير خاضعة إلا لإرادة اللبنانيين، ومؤسساتها هي التي تتخذ القرارات. وهذا يعني طبعاً رفض التدخل السوري وغير السوري في شؤوننا الداخلية. مشكلة النصاب سواء بالثلثين أو بالنصف زائداً واحداً مرتبطة بالصراع القائم وفقدان الثقة الكبير بين الأفرقاء السياسيين وتورط هؤلاء في جدل سياسي حاد لم يبق من النقاش السياسي العميق والجدي الكثير. والذين واكبوا النقاش الذي دار حول طاولة الحوار والأجواء الجدية والمسؤولة مقارنة بتلك التي سادت خارج طاولة الحوار يجتاحه الاستغراب. نقيضان لا رابط بينهما، بل هم قلة من الذين كانوا إلى طاولة الحوار كانوا يتحدثون الكلام نفسه إلى الطاولة وخارجها. وأنا أريد أن أبني على المواقف التي سمعتها إلى طاولة الحوار لكي أقول أن لدي آمالاً كبيرة في إمكان حل مشاكلنا لأن المواقف لم تكن متباعدة أو متناقضة، بل متكاملة، وفي الإمكان التوصل إلى صيغ مشتركة، رغم وجود تباينات بسيطة، وهذا أمر طبيعي، لأننا في نظام ديموقراطي، كأن يطرح حزب الله مخاوفه على مستقبله وعلى إهدار تضحياته السابقة إذا لم تكن هناك تسوية جدية، وإذا لم تأخذ الدولة على عاتقها مسؤولية حماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية. وهذه مخاوف نتفهمها، وإلا أكن غير مستعد ولا مؤهل لتسلم مسؤولية في هذا البلد. لذلك ينبغي معالجة سلاح حزب الله بالحوار ومن ضمن توجهات 14 آذار التي التقت مع توجهات قرارات الحوار الوطني لجهة الاستراتيجيا الدفاعية، وأن يكون سلاح حزب الله في إطار الدولة اللبنانية. وبسب تفهمي هذا الأمر أتعاطى معه على نحو مختلف عن الطروحات المتشنجة التي تثار في بعض الظروف. لم أنس مرة أنه يوم تنقطع شعرة معاوية بين الأفرقاء اللبنانيين السياسيين يصبح لبنان عندئذ في خطر كبير. وبسبب ذلك في مناسبات عدة من بينها مناسبات جماهيرية وخطابية كنت ربما من الأصوات النادرة التي وقفت في ساحة الشهداء لتذكر بوحدة لبنان. وأذكر هنا مناسبتين: إحداهما عندما اجتمعنا في 14 آذار بعد تظاهرة 8 آذار في ساحة رياض الصلح ودعوت في خطابي إلى تحقيق حلم جمع الساحتين في ساحة واحدة، والأخرى في 14 شباط الأخير وخطبت وكان هناك الشريط الشائك الذي يفصل بين الساحتين قلت إن هذا الشريط عيب ويقتضي أن نتعاون على إزالته من هنا ووضعه على الحدود مع إسرائيل وليس بين اللبنانيين.

  • إذاً تريد قوى 14 آذار من ترشيح أحد أعضائها المحافظة على مكتسباتها؟

  • ـــــــــ ليست مكتسبات 14 آذار، بل لبنان، وليست مكتسبات 14 آذار على حساب 8 آذار، بل مكتسبات لبنان الدولة الحرة السيدة المستقلة. ليست مكتسبات فريق دون سواه، ونعرف أنها حصلت في ظروف متشنجة وقتل فيها زعماء لبنانيون كبار وهناك جرح كبير وحال من الغضب والحزن وردود الفعل. وأؤكد أن قوى 14 آذار عندما يطرح اسم يملك مواصفات تجعل هذه القوى تراهن عليه لتحقيق هذه الأهداف فإنها ستؤيده، لكن ما نطرحه نحن هو أن لدينا مرشحين يحافظون على هذه المكتسبات.

  • انتخاب رئيس من قوى 14 آذار هل يمكن أن يكون رئيساً لكل اللبنانيين.

  • ــــ هذا طرح افتراضي، إلا أن الأمر متعلق بالشخص الذي سينتخب. نحن في 14 آذار لا رغبة لدينا في انتخاب رئيس لنا وحدنا، بل رئيس يكون لكل اللبنانيين. وفي اعتقادي أن الظروف التي ينتخب فيها الشخص مؤثرة على مدى تقبل اللبنانيين له والتعاطي الإيجابي معه. لذلك وضعت على نفسي شرط سحب ترشحي إذا لم يتم الاتفاق على نصاب الثلثين، لأنني مؤمن بأنني إذا انتخبت في نصاب النصف زائداً واحداً فإن فريقاً آخر من اللبنانيين قد لا يشاركني الرأي ويرفض التعامل معي، ويعطل كل الآمال والأحلام التي أحملها لبناء دولة جديدة للبنان. لكن إذا سعينا إلى توافق وتطمينات للفريق الآخر أن الرئيس الآتي من قوى 14 آذار ليس قادماً للحكم باسم 14 آذار ضد 8 آذار، بل ليحكم باسم كل اللبنانيين ولن يبقى ملتصقاً بـ14 آذار بعد انتخابه. وفي تاريخ الديموقراطية اللبنانية سوابق بأن رئيس الجمهورية هو رئيس جمهورية كل اللبنانيين، وليس رئيس فريق في وجه فريق آخر. وهو رمز الوحدة الوطنية التي هي رمزه الأساسي. لذلك فدوره هو كونه راعياً للحياة السياسية وحكماً في الخلافات ولا يدخل في صراعات اللبنانيين. لذلك أدعو إلى الاتفاق على رئيس جيد يحمل المواصفات المطلوبة ونكون متيقنين من أنه يحمل مشروعاً جيداً ونتعاون معه ونعطيه فترة سماح حتى يعيد القطار إلى السكة، وخصوصاً إذا كان ملتزماً ـــــ كما أنا ملتزم ـــــ احترام القواعد الدستورية والصلاحيات، فلا يسمح بأن يتجاوز هو صلاحياته، ولا يسمح لأحد آخر بمس صلاحياته أو الاعتداء
    عليها.
    النصاب الحلال والنصاب الحرام

    عندما قال بطرس حرب إنه يترشح لنصاب الثلثين لا لنصاب النصف زائداً واحداً، انزعج حلفاؤه في 14 آذار وعدّوه يجرّدهم من ورقة ضغط، ومناورة مربكة للطرف الآخر. لكنه كان يتحدث عن أمر آخر يعرفه، كذلك، كثيرون في قوى 14 آذار، وبينهم مَن يتعمّد تجاهله. عن النصاب الحلال لا النصاب الحرام. عن الحاجة إلى رئيس يريد أن يحكم، لا أن يحمل اللقب. عن رئيس كرؤساء ما قبل الحقبة السورية، لا ينتخبون إلا بأوسع التفاف سياسي من حولهم، وبأوسع نصاب يتخطى الثلثين تلتئم به جلسة الانتخاب، وإن فاز من الدورة الثانية من الاقتراع. عن رؤساء عندما كانوا يخرجون على هذا الالتفاف والتأييد اللذين يدخلان بهما المنصب، يجعلون الحكم الحلال حراماً، فيخرجون من الولاية بحروب، أو أزمات كيانية تهدّد الوحدة الوطنية والاستقلال والدولة والنظام بالذات.
    الحكم الحلال هو ابن النصاب الحلال.
    وما قاله نائب البترون راق بعض حلفائه، فحذوا حذوه. نصاب الحلال يؤول إلى الرئيس الحلال، ونصاب الحرام يقدّم الرئيس الحرام.
    لا يفضي هذا التصنيف إلى أن ممارسة الحكم في لبنان كانت دائماً حلالاً، قبل اتفاق الطائف وبعده وإن بدت المقارنة بين المرحلتين ظالمة. بعد اتفاق الطائف كان ثمة زنى في ممارسة كهذه. لكن أياً من الرؤساء اللبنانيين المتعاقبين لم يصل إلى منصبه بالحرام، ولا رؤساء ذلك الزمان وزعماؤه حلّلوا الحرام في النصاب والدستور. قبل بطرس حرب كان عمّه جان حرب نائباً عن البترون، فأدرك هذا البيت صورتي لبنان ما بين الحقبتين. في العهد الشهابي كان جان حرب مناوئاً للشهابية وانتبه، بعد انتخابات 1960 و1964، إلى أن كلاً من «النهج» ومعارضيه على وفرة الخصومة والبغض السياسي بينهما، لم يحيلا الممارسة الدستورية حراماً، لا حين استقال فؤاد شهاب، ولا حين نبذ تجديد ولايته، مع أن مذاق التجديد هذا كان حلالاً لانبثاقه من 79 نائباً هم أكثر من ثلاثة أرباع البرلمان، ولا حين اختار شارل حلو خلفاً له. وفي انتخابات 1968 التي خسرها جان حرب كانت الحال هي نفسها. لم يكن عزوف شهاب، ولا انتخاب سليمان فرنجيه بنصف صوت لا بصوت كامل، مثال ممارسة حرام. كان نائباً أيضاً عام 1957 ولم يشهد انتخاب شهاب حراماً.
    كذلك بطرس حرب شهد مذ أضحى نائباً عام 1972 انتخابات الرئاسة حلالاً بنصاب الثلثين ومقاطعة زعماء كبار لها عامي 1976 و1982. وشهد مقاطعة مسيحية بزعامة بكركي لانتخابات نيابية عام 1992، وكانت تلك حلالاً وكان هو في عداد المقاطعين، وخرج عليها في انتخابات 1996 ليواجه أصوات حلفاء سوريا، بل أصوات سوريا في لبنان تقترع ضده.
    ولأنه عرف السنوات الأخيرة من «لبنان القديم» قبل أن ينفجر، وكان في قلب مؤسساته ورافق ذلك الطراز من زعمائه، وحضر سنوات الانهيار، بين الحرب والهدنة، ثم شارك في الأحداث التي وُلِدَ منها لبنان ما بعد اتفاق الطائف، يعرف نائب البترون أن انتخاب الياس الهراوي رئيساً عام 1989 بإرادة سورية محض كان حلالاً لبنانياً لمن كانوا يريدون أن يخرجوا من الحرب بأي ثمن. وكذلك التجديد للهراوي عام 1995 بإرادة سورية محض كان حلالاً للبنانيين الذين جاروا ما أرادته دمشق، بأوسع تأييد سياسي داخلي، من بينهم من اعتبروا في ما بعد التمديد لإميل لحود عام 2004 حراماً. لم يكن حرب نائباً في تمديد 1995، لكنه صوّت ضد تعديل الدستور عام 1998 لانتخاب لحود، وكان في عرفه حراماً، بينما في عرف شبه الإجماع من حول قائد الجيش حينذاك حلالاً. ثم صوّت ضد تمديد ولاية لحود.
    ولأن تمديد 1995 كان حلالاً لمن برّروه، وأبطاله إياهم، المحليون وسوريا، يقتضي أن يتصوّروا تمديد 2004 حلالاً. صورة الرئيس السوري الابن كصورة الرئيس السوري الأب متطابقة بأسلوب مختلف: دمشق تريد بقاء الرئيس في منصبه. وخلافاً لحرب ورفاقه الذين اقترعوا ضد تمديد 2004 من غير أن تقيم فيهم هواجس، فإن أولئك الذين صوّتوا له إما خافوا، أو اقتنعوا، أو أرادوا أن يستزيدوا من نعمة النفوذ السوري على مواقعهم وإثرائهم في السلطة، او كي يستمروا في ظلّ حمايته، أو من أجل أن لا يأتي مَن يكرهون وجودهم في الحكم.
    اليوم يترشح حرب للرئاسة باسم الحلال لا الحرام. لذا حدّد خطواته: برنامج ترشيح ـــــــ سماه رؤية ـــــــ وخوض الانتخابات بنصاب الثلثين، الترشح باسم قوى 14 آذار لكن كي يُنتخب رئيساً بالنصاب الحلال، وعدم التخلي عن فريقه إذا عزم على تجاهل نصاب الثلثين والاقتراع للمرشح الذي يقبل بأن ينتخب رئيساً بنصاب النصف زائداً واحداً.
    هنا، يضع حرب رِجلاً في الحلال، هي تأييده انتخاب الرئيس التوافقي كضرورة وحتمية وطنيتين، وأخرى في الحرام ـــــــ ربما وضعها من أجل حماية تماسك قوى 14 آذار ووحدتها ـــــــ عندما يعطي صوته للاقتراع الحرام. رجل هنا وأخرى هناك. قد يكون ثمة ما يبرّرهما لديه: نصاب الثلثين سياسي كي يجمع أوسع التفاف وطني من حول الرئيس الجديد، ولكنه ـــــــ كمحام ونائب ــــــــ يثير شكوكاً في غموض المادة 49 من الدستور ولا يمانع في تبني ما تريده قوى 14 آذار، وهو انتخاب النصف زائداً واحداً نصاباً دستورياً قابلاً للاجتهاد.
    وهكذا قرّر الاحتكام إلى السياسة لا إلى الدستور. غموض تلك المادة والجدل المستعصي على الحل من حولها يقودان إلى الفوضى لأنهما يجعلان انتخاب رئيس جديد للجمهورية متعذراً. وسقوط الرئاسة عندئذ هو سقوط لكل ما كان قد حصده وفريقه منذ 14 آذار 2005. لذا تكمن مشكلة حرب ـــــــ إذا انتخب رئيساً ـــــــ في مهمته نفسها لا في مقدرته على تحقيق البرنامج ـــــــ الرؤية الذي يحمله معه إلى المنصب: أن يكون في وسعه وهو في قلب الرئاسة، لا من الخارج، ردّ الاعتبار إلى اثنين انتهكهما الجميع بمن فيهم حلفاؤه في قوى 14 آذار: الدستور ورئيس الدولة. وسيكون مربكاً ـــــــ إن لم يكن صعباً ـــــــ إقناع كل هؤلاء بإمكان محو الحرام السياسي والدستوري في آن معاً بعدما قاد الحياة الوطنية بين فريقي الموالاة والمعارضة في السنتين المنصرمتين، في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، في السوابق المخجلة والمهينة، وفي الخطاب السياسي الذي دار على ألسنتهما. وسيكون على حرب أيضاً ـــــــ رئيساً ـــــــ أن يعيد الأحجام المنتفخة إلى صلاحياتها الدستورية المحددة. كل ذلك يقتضي أن يذكّره بـ«لبنان القديم». حينذاك، على كثرة الخصومات والعداوات السياسية والتباعد في الموقف، كان ثمة احترام للرئيس الخصم والحليف. تلك هي المشكلة الرئيسية التي لم يورثها رئيس لخلفه شأن الرئيس الحالي.
    ولعلّ المغزى بذلك ليس تمييز الدستوري عن السياسي فحسب، بل تمييز الحلال عن الحرام.