strong>غادة نجار
في العشرين من كانون الأول عام 2006، وفي تحول لافت، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً ينص على وصف مرض السكري بالمرض المزمن والخطير، ويتطلب علاجاً مكلفاً. بهذا القرار رأت الجمعية العامة في يوم السكري العالمي يوماً ترعاه منظمة الأمم المتحدة سنوياً ابتداءً من عام 2007. وبات 14 تشرين الثاني تاريخاً ثابتاً له.
هذا القرار جعل دول العالم أكثر إدراكاً لخطورة السكري الذي أظهرت آخر الإحصاءات أن أكثر من 240 مليون شخصاً في العالم يعانونه، وأثبتت الدراسات التي أجرتها منظمات دولية متخصصة عدد المصابين به سيبلغ خلال السنوات العشرين المقبلة نحو 380 مليوناً. وأخطر ما في الأمر أن الأطفال والمراهقين يشكلون نسبة عالية من المصابين، ويبدو حسب الدراسات التي أجريت أن تشخيص هذا المرض لدى الأطفال يكون في مراحل استفحاله، لا قبل ذلك، أو لا يتم أبداً، ما يؤدي إلى العديد من الوفيات بينهم، ولا سيما في دول العالم الثالث. لذا خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة عامي 2007 و2008 لمحاربة هذه الظاهرة، واختارت شعار «لا يجب أن يموت أي طفل من مرض السكري».
لا يسلم لبنان من هذه الظاهرة، إذ أثبتت الإحصاءات أن نسبة المصابين بهذا المرض مرتفعة بشكل ملحوظ، وقد أظهرت دراسة ميدانية قام بها مختصون من كلية الطب في الجامعة اللبنانية ضمن إطار بيروت الكبرى، التي تحتضن 53,6% من سكان لبنان على اختلاف المستويات الاجتماعية، وشملت 3000 متطوع، أن نسبة المصابين بالسكري تبلغ 15,8% وتتوزع على الرجال بنسبة 17,6% وعلى النساء بنسبة 13,4%. وبلغت نسبة الذين شُخِّصَت إصابتهم قبل هذه الدراسة على نسبة الذين لم تُشَخَّص حالتهم قبل ذلك رقماً قريباً من الذي بلغته هذه النسبة في الولايات المتحدة الأميركية، وهذا يعني أن نسبة الإصابة بهذا المرض في بيروت الكبرى عالية. هنا تظهر الحاجة إلى استكمال هذه الدراسة في المناطق اللبنانية الأخرى من أجل تحديد مدى انتشار هذا المرض على المستوى الوطني.
المصابون بالسكري نوعان: النوع الأول لا تفرز البانكرياس عندهم كمية كافية من الإنسولين، أو لا تفرز الانسولين أبداً. والنوع الثاني يعاني عدم قدرة الجسم على التعامل مع الإنسولين المتوافر بشكل عادي. وهناك مرضى مصابون بكلا النوعين. المصابون بالنوع الأول هم الذين يجب أن يحقنوا أنفسهم بالأنسولين يومياً وهم يشكلون 10% من مرضى السكري. أما المصابون بالنوع الثاني من السكري والذين يشكلون 90% من مرضى السكري فعادة ما يصف لهم الأطباء الأدوية التي تؤخذ عبر الفم ويطلبون منهم ممارسة الرياضة وخفض الوزن وضبط نوعية الطعام. يرجح الأطباء بعد دراسات كثيرة أن ينتقل النوع الثاني من جيل إلى جيل ضمن العائلة الواحدة. لكن هنالك عوامل إضافية قد تسهم بشكل كبير في الإصابة به، وهي ارتفاع نسبة التريغليسيريد في الدم واعتماد الأطعمة الدهنية بكثرة واستهلاك الكحول بشكل قوي وأسلوب الحياة الخالي من الرياضة والنشاط وارتفاع الوزن وغيرها.
ويتشارك نوعا السكري الأول والثاني بعوارض كثيرة، تبدأ من الشعور الدائم بالتعب الجسدي، وانخفاض الوزن غير المبرر، والعطش الدائم والتبول المتكرر، وتناول الطعام بكثرة، والإصابة بالالتهابات، ولا سيما في اللثة والجلد والمسالك البولية، ولا تنتهي بالحالة الذهنية المشوشة وعدم القدرة على التركيز والتوتر دون سبب إضافة الى ضبابية في الرؤية دون علة في العين.
لا بد من التنبه لهذا المرض الذي يتطلب التعايش معه جهداً وتغييراً جذرياً في حياة المريض ومحيطه. ومن باب تأكيد مدى خطورته، تجدر الإشارة إلى إحصاء يؤكد أن الأطفال في العالم أينما كانوا ليسوا بمنأى عن هذا الوباء، إذ إن نسبة إصابتهم به قد ارتفعت نحو 3% في العام للنوع الأول، ونحو 5% في العام للنوع الثاني. والسكري في حياة الطفل أكثر خطورة منه في حياة البالغ، إذ يؤثر على نموه ونشاطه.
لذا تطمح حملة التوعية في العالم إلى محاربة تأثيرات النوعين الأول والثاني من مرضى السكري، وذلك بهدف منع حدوث التعقيدات في حالة المريض أو حدوث وفيات بسببه.