جورج شاهين
في وقت يراهن فيه معارضون على أن الموالاة ستأخذ تهديد رئيس مجلس النواب نبيه بري بفضح كل الحقائق المتصلة بالأزمة والتعقيدات التي اصطدمت بها المقترحات، على محمل الجد، لم تعط أوساط الموالاة هذا التهديد الأهمية مؤكدةً أن لديها أيضاً ما يكفي من التفسيرات والوقائع التي تدعم وجهة نظرها في كل محطة من محطات الأزمة منذ استقالة الوزراء الستة مروراً بمهمة الأمين العام للجامعة العربية وصولاً الى الوساطة السعودية ــ الإيرانية.
على هذه المعادلة المتكافئة، في نظر مراقبين محايدين، تقف جوانب مهمة من المأزق القائم. وتقول مصادر قيادية في 14 آذار إن تهديدات بري كانت ستأخذ أبعاداً أخرى لو بقي رئيس المجلس على مسافة واحدة من الجميع، لكن موقعه في المعارضة أفقده الكثير من عناصر القوة التي ميّزته طوال الفترة التي رافقت انعقاد جلسات الحوار وبعدها في جلسات التشاور.
وتعتبر هذه المصادر ان «سياسة التهويل التي يعتمدها بري لا تخيف أحداً في هذه المرحلة التي انكشف فيها كثير من أوجه الأزمة وارتباطها بالخارج، إذ ظهر ان كل التعهدات التي أُعطيت على طاولة الحوار في شأن الموافقة، غير القابلة للجدل، في ما خص المحكمة ذات الطابع الدولي قد تبخّرت عند أول استحقاق لدى وصول النظام الداخلي للمحكمة الى بيروت لإقراره وفق الآلية الدستورية».
وتتهم المصادر رئيس المجلس بأنه «تمادى في الفترة الأخيرة في تغطيته لكثير من المطالب التعجيزية التي عطّلت بعضاً من الحلول والمقترحات حول المحكمة الدولية وتركيبة الحكومة العتيدة، ما جعل من بعض المناسبات النادرة فرصاً ضائعة قد لا تعود مرة أخرى».
وتشير المصادر الى أن هذه «المرة الثانية التي لا يعير فيها معارضو بري تهديداته ما يأمل فيها من تأثير»، لافتة الى «المرحلة التي أعقبت انتخابات 2005 عندما أعطى تفسيرات غير دقيقة للظروف التي رافقت اعتماد قانون انتخابات 2000، والتي كادت تؤدي الى شرخ بين أطراف 14 آذار، سواء أولئك الذين عادوا الى الندوة البرلمانية أو بقوا خارجها، ما تطلّب بذل جهود سياسية للحفاظ على وحدة الصف، قبل أن تكرّس الحكومة الجديدة، من خلال غالبية أعضائها، هذا التوافق الذي لا يزال قائماً الى اليوم». وخلصت الى انه «فات بري وحلفاءه في المرحلة الأخيرة أن ما حققته الأكثرية من تفاهم بين مختلف قواها على تعدديتهم السياسية والطائفية لم يعد يسمح بإمرار مشاريع القسمة والتفرقة بينها، فهي في توجّهاتها وقراراتها واحدة، وهي قادرة على توزيع الأدوار واستيعاب الصدمات على أنواعها. وقد خبرت ذلك في أحلك الظروف وأصعبها».
ويقول مراقبون إن المهل التي أُعطيت لاختبار التوافقات الأخيرة وحددت بأيام قليلة، سواء التي تحدث عنها بري أو جهات أخرى، مردها ما حققه التفاهم المبدئي السعودي ــ الإيراني حول الملف اللبناني في وقت قياسي فاجأ أطرافاً عدة في الداخل والخارج، في انتظار اكتمال الصورة الدولية لردّات الفعل، وتحديداً من الجانبين الأميركي والفرنسي، مع الخشية من أن يأتي موقفهما متناسقاً مع ردود الفعل السلبية التي عبّرا عنها من «اتفاق مكة»، لما هناك من أوجه شبه بين الأزمتين الفلسطينية واللبنانية.