إبراهيم الأمين
لا يبدو أن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى كان يحتاج الى موفدين ليعرف حقيقة مواقف الأطراف اللبنانيين من الوضع القائم حالياً. لكنه ربما كان يحتاج إلى أن يتأكد من أن ما تركه قبل رأس السنة لا يزال عند ما كان عليه، وخصوصاً أن كل المساعي التي أُشير إليها سابقاً لم تؤدّ الى تغيير جوهري. لكن المؤكد بالنسبة إلى ما هو مستجد أن اللبنانيين لم يعد بمقدورهم الحديث عن حل داخلي بقدر ما بات الموضوع يتصل ببادرة خارجية، وهي الأمور التي تظل رهن ما تقرره الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها الطرف الأقوى في المعادلة، وهي الحقيقة التي يجب أن يلمسها موسى عند حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وفي لبنان.
غداً عندما يقرأ موسى تقرير وفده الى بيروت ومحصلة ما سمعه من مواقف الأطراف كافة، لن يجد ما يضيف شيئاً إلى ما هو موجود في ملخصات صحف بيروت وما تحويه من تسريبات للقوى اللبنانية كافة. ثم إنه قد يسمع بعض التمنيات الإضافية بإيجاد حل حقيقي، الأمر الذي يرتبط بما حصل من أحداث خلال فترة غياب موسى.
وإذا كان موفد موسى قد حاول استكشاف ما يمكن فعله في الأيام القليلة المقبلة، فإن النتيجة لا تتجاوز إدراكاً من الوفد بأن الجميع يشعر بالمأزق، ولكن هناك تفاوت في تقدير ماهية المطلوب الآن. وهناك قاسم مشترك كبير ينحصر في الاسئلة عما هو متوقع من الاتصالات الخارجية الجارية، وما يمكن أن يحمله موسى معه إلى بيروت، ما يعني أن موسى سوف يجد نفسه أمام مهمة أكثر تعقيداً من المهمة السابقة، وأن محاولة الهروب من جديد بانتظار أخبار من مكان بعيد لن تفيده كثيراً، وسوف ينعكس فشله في التوصل الى حل مزيداً من الإحباط الداخلي وشعوراً بأن لبنان ربما يحتاج الى انفجار ما حتى يضطر اللاعبون الكبار الى التنازل قليلاً.
وحسب مصادر معنية فإن موسى الذي ينتظر حصول تقدم جدي أو نوعي على مستوى الاتصالات السعودية ــــــ الايرانية، لمس أن الحديث يتعلق الآن بمراوحة من النوع الذي يبقي الاتصالات قائمة دون انتظار نتائج سريعة لها. وهو يقف عند ثلاثة أمور:
أولها غياب توافق مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا على طريقة التعامل مع ملف المحكمة الدولية، وإذا لم يتم التوصل الى تسوية في هذا المجال فإنه يصعب إقناع سوريا بدعم أي حل، وسوف تقف قوى لبنانية الى جانب سوريا لينعكس الأمر مزيداً من التأزم الداخلي.
وثانيها ما يتعلق بمستقبل الوضع الحكومي، وهو هنا يعرف أن ما تريده المعارضة من مشاركة كاملة يتطلب مقايضة من النوع الذي يحصره فريق السلطة بملف المحكمة الدولية. ما يعني أن عدم قدرة المعارضة على البت من طرف واحد بمصير المحكمة سوف يمنعها من إجراء مقايضة كالتي يفضلها سعد الحريري، والتي تقول بمبدأ: أعطونا المحكمة وخذوا منا الحكومة.
أما الأمر الثالث فيتعلق بمستقبل الرعاية العربية والدولية لأي حل في لبنان، وهو الأمر الذي تدخل فيه تعقيدات كثيرة تتصل بما يجري الآن في العراق وفلسطين وفي مناخ التوتر الكبيير القائم بين المحاور الإقليمية والذي يأخذ طابعاً سياسياً أو طائفياً.
وبناءً على ذلك فإن ما انتهت إليه الاتصالات الإيرانية ــــــ السعودية لا يمكن اعتباره نقطة ارتكاز للقيام بخطوات جديدة. وتبيّن من مراجعة لبعض التفاصيل، أن إيران لم تكن بوارد القيام بتحرك منفصل، وأن ما طلبه بندر بن سلطان من علي لاريجاني لناحية القيام بجهد يوفر حلاً للأزمة اللبنانية، كان يحتاج الى مقدمات، وهي التي وفرها بندر في الاتصال الأول بقوله: فلتأخذ المعارضة الثلث المعطل ولتعط الآخرين المحكمة مع تعديلات منطقية. ومع أن لاريجاني طلب من بندر بعض الوقت حتى إجراء مشاورات داخلية مع القيادة الايرانية ومع الأطراف المعنية في سوريا ولبنان، فإن بندر جاءه الى طهران نافضاً يده من الاقتراح الحكومي ومتراجعاً الى الخلف قليلاً بإشارته الى أن هناك استعداداً وإمكاناً لإعطاء المعارضة الثلث المعطل ولكن المهم أولاً هو التوصل الى صيغة تخص ملف المحكمة، وهو الامر الذي عاد لاريجاني وحمله معه الى دمشق حيث التقى القيادة السورية من جهة ووفداً يمثل قوى في المعارضة اللبنانية من جهة ثانية، وهو سمع كلاماً سورياً بأن دمشق تفضل تأجيل ملف المحكمة الى حين انتهاء التحقيق بينما سمع من الوفد اللبناني المطالب المتعلقة بالحكومة القائمة على الثلث المعطل وإقرار قانون الانتخابات وإجراء انتخابات مبكرة.
وعندما عاد لاريجاني وبحث الأمر مع بندر في طهران ثم مع مساعدين للأخير، اكتشف الجميع أن الجانب السعودي لا يملك تفويضاً كاملاً من الولايات المتحدة وفرنسا بشان أي نوع من المقايضة. وعندما قصد بندر الولايات المتحدة الاميركية اكتشف صعوبة إقناع الاميركيين بتعديلات على الموقف. وهي تعديلات تبيّن أن السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان سبق أن أثارها مع إدارته في مناسبات مختلفة وأنه تحدث عن ضرورة إعداد صيغة تسوية مع المعارضة في لبنان إذا كانت هناك رغبة في منع حصول أي انفجار.
وفي وقت لاحق تبيّن أن الاميركيين، ومعهم الفرنسيون، يظهرون تشدداً غير عادي في ملف المحكمة، وهم يفترضون أن في إمكان فريق السلطة في بيروت السير بالأمر دون انتظار الآخرين، سواء من المعارضة او من سوريا، وهو الأمر الذي انعكس في جملة مواقف واتصالات أبرزها ما قاله النائب سعد الحريري حيال دور رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أو ما أقدم عليه الرئيس فؤاد السنيورة في مراسلته الامين العام للأمم المتحدة حول ملف المحكمة. وفي الحالتين كان الموقف ينحصر في أن الأولوية المطلقة هي للمحكمة وليست لأي شيء آخر، وأن المطلوب إقرار المحكمة كما عرضت على الحكومة ومن دون أي تعديلات، وهو الامر المتعذر، ما يعني أن موقف واشنطن وباريس يعارض بقوة أي تسوية داخلية لهذا الملف كما يمنع أي تسوية عربية مع سوريا، وهذا الأمر له ترجمة واحدة في السياسة اللبنانية: ممنوع على فريق السلطة وعلى السعودية أيضاً الاجتهاد. وعليهم العودة الى ما تجده واشنطن صائباً، وعلى الآخرين انتظار المواجهة، وهو الأمر الحاصل.
سيعود موسى ـــــ إذا عاد ـــــ ليمضي وقتاً جميلاً في بيروت، ولكن ليس في بيروت من يستطيع الادعاء بأن موسى يقدر على كسر الحواجز الآن.