الدوحة ــ ابراهيم الأمينيبدو أن فريق 14 آذار لم يكن يقول كلاماً في الهواء عندما رأى أن الحوادث الأخيرة في لبنان لن تغيّر الوقائع السياسية، أو هكذا على الأقل تصرّف خلال الجولات الأولى من التفاوض الجانبي الجاري في الدوحة. وهذا الانطباع موجود بقوة لدى المعارضة، وقد لمست الدلائل عليه في مقترحات تيار المستقبل في شأن قانون الانتخابات، وفي النقاش الأوّلي في شأن تركيبة الحكومة الجديدة، والإصرار على مناقشة سلاح المقاومة. وبدا أن الأكثرية لا تريد التعامل مع المعطيات على أساس جديد.
وحده وليد جنبلاط يتولّى إرسال الإشارات البعيدة المدى: «التفاصيل لم تعد مهمة، هناك حاجة إلى حل، والآن، لأن البديل ليس الحرب فقط، بل ربما عودة الجيش السوري إلى لبنان، وأنا تحدثت مباشرة مع كل المعنيين بأن علينا اتخاذ القرارات وفق متغيّرات كثيرة، منها ما يتصل بما جرى أخيراً ومنها ما يتصل بالمواقف والحسابات الإقليمية، ولذلك أنا أوافق على ضرورة إنجاز التسوية الآن، ولدينا مع الرئيس نبيه بري القواسم التي تسهّل التوصل إلى اتفاق».
لكن موقف جنبلاط لا يلزم مواقف الآخرين، وحسب أحد أقطاب المعارضة، فإن صورة الموقف لدى فريق الأكثرية هي على الشكل الآتي: جنبلاط استوعب ما حصل وقبل بالمعادلة الجديدة. فؤاد السنيورة وسمير جعجع استوعبا ما حصل ويرفضان التنازل. أما سعد الحريري فلا يزال في مرحلة هضم ما حصل، وهو يريد التسوية ولكن من دون أثمان».
على جبهة المعارضة، لم يكن التماسك قوياً بما فيه الكفاية. فالعماد عون يستغرب استعجال بعض أقطاب المعارضة إنتاج تسوية قد لا تعيش طويلاً، وإلى جانب اعتراضه الواضح على ترشيح قائد الجيش، يعتقد أنه لا يمكن التنازل مطلقاً في بندي الحكومة وقانون الانتخاب. ولذلك يقول إنه لن يقبل أقل من الثلث الضامن في الحكومة، كما لن يقبل بقانون انتخابي فيه انتقائية كالتي يريدها الحريري ورفاقه. وإذا شعر بأن هناك من يجري صفقة على حسابه، فهو سوف يفجّر المؤتمر ويغادر، علماً بأن حزب الله الذي يبتعد كثيراً عن التوتر، يرى في بعض ملاحظات عون ما يجب التوقف عنده، وإن كان الحزب لا يقلّل من ثقته بالرئيس بري مفاوضاً على الأمور الأساسية، لكنه عاد وانتفض عندما حاول فريق الأكثرية، بدعم من دول عربية حاضرة في الدوحة، ولا سيما الإمارات العربية، إعادة طرح بند السلاح شرطاً للتقدم، والانتقال إلى الحديث عن «السلة الواحدة». ويشرح أحد نواب الموالاة الأمر على طريقة أنه «لطالما رفضت المعارضة انتخاب الرئيس أوّلاً وترك ملفّي الحكومة والانتخابات إلى وقت لاحق، وكانوا يتحدثون دائماً عن السلّة الواحدة، ونحن نوافق، ونريد أن يُتعامل مع بنود الاتفاق الذي أذاعه رئيس الوزراء القطري في بيروت على أساس أنه سلّة واحدة أيضاً، ونريد ضمانات حقيقية في ملف السلاح، وأن لا يقتصر الأمر على ما قيل لنا في جلسة الافتتاح، ونحن نريد من القطريين الحصول على دعم عربي لأية مبادرة في هذا الاتجاه».
وإذا كان من شأن إثارة بند السلاح تفجير الحوار، فإن في الجانب القطري وعند المعارضة من يعتقد أن إثارة الأمر من جديد هدفها المقايضة. ويلفت قطب معارض إلى أن العماد عون دعي إلى اجتماعات جانبية مع الشيخ حمد بن جاسم ومع السيد عمرو موسى، وكان البحث يركّز على سبل تحقيق توازن في النتائج، لكن عون يسمّي الأمر بأنه دعوة إلى المقايضة، بين قانون الانتخاب والحكومة. إذ إن البعض اقترح أن تأخذ الحكومة الثلث الضامن مقابل أن توافق على مقترح الحريري لتقسيم بيروت. وقال عون إنه يرفض هذه المعادلة. وأضاف: «ربما أملك في جيبي الخاص مليون دولار أستطيع أن أتنازل عنها، ولكن يمكن أن يكون في جيبي الآخر خمس ليرات ولكنها أمانة ولا يمكن أن أتنازل عن قرش منها، ولذلك فإن الأمانة الخاصة بالمشروع السياسي وبالتمثيل وحقوق المعارضة لا يمكن مقايضتها ولا على نحو».
ولفت عون محدّثيه إلى أن ما حصل في بيروت كان بسبب سياسة فريق السلطة وموقف الخارج الداعم لها، وإذا لم يحصل تغيير يقود إلى الشراكة الحقيقية لا الصورية، فلا أحد يضمن أن لا يعود التوتر.
وبين هذا الموقف وذاك، لا يبدو أن فريق الأكثرية أحسن استغلال تباينات جدّية برزت في مواقف المعارضة، بل على العكس، فإن التمسّك بالصيغ والمناورات التي سبق أن طرحتها الموالاة طيلة عام ونصف، دفع بالمعارضة إلى مزيد من التماسك في مواجهة ما يسمّونه «حرب إلغاء فعلية» تقودها الأكثرية.
وإذا كان بري موافقاً على تأليف الحكومة على أساس المثالثة، فإن فريق الأكثرية بات الآن يخشى هذه المعادلة، وخصوصاً أن جنبلاط قال بواقعية شديدة إن المعارضة حصلت على الثلث المعطّل من خلال الشارع، وإنه يفضّل العودة إلى معادلة 11 للمعارضة مقابل 19 للموالاة، على أن تقدم الموالاة 3 أو أربعة مقاعد لرئيس الجمهورية، وتكون هي قد استفادت من حصتها الكبيرة لأجل احتفاظ كل من جنبلاط والحريري بحصتهما الحالية في الحكومة، ويكون في المقدور توزير مسيحيّي 14 آذار بما يحفظ لهم وجودهم بقوة. عدا أن هذه الصيغة تحرم رئيس الجمهورية الحصة الوزارية الكبيرة، وهو أمر ترحّب به الموالاة التي لا تقدر الآن على إعلان موقفها الحقيقي الرافض ترشيح سليمان لرئاسة الجمهورية.
وربما كانت النتيجة الأولى لحوار الدوحة وجود توافق كل المسيحيين وثلاثة أرباع المسلمين من الجانبين على إبراز الاعتراضات على ترشيح سليمان، لكن المشكلات التي تتعلق بالملفات الأخرى، ولا سيما قانون الانتخاب، تحول الآن دون حصول عملية الضم والفرز من جديد. وهي عملية قد تأخذ بعض الوقت. وكل ذلك سيظل رهن النتائج النهائية للقاءات الدوحة الحارة.