شبح التحالف الرباعي يحوم فوق صيدا وقلق من الصوت الذي «يقرش» بالذهب بدأت القوى السياسيّة الصيداويّة تزييت ماكيناتها الإنتخابيّة لمعركة 2009 بعد أن جنب التحالف الرباعي المدينة الخضّات عام 2005. وسط زحمة سيناريوهات حول وجهة مدينة السعد والحريري السياسيّة
صيدا ـ خالد الغربي
منذ اللحظة الأولى لإعلان اتفاق الدوحة، ذهب مستقبليو صيدا إلى القول إن التوافق الذي حصل هو إنجاز يسجل لمصلحة الأكثرية (وغاب عن بالهم أن المعارضة حصلت على ما كانت تطالب به وربما أكثر) لكن مبررات سرور مستقبليي صيدا قد يكون ناتجاً من الاتفاق على قانون الانتخاب الذي يجعل من صيدا دائرة انتخابية مسلوخة عن قضائها. وبنبرة عالية يستبق هؤلاء الصورة بحسم نتيجة الانتخابات في المدينة قبل عام من موعد إجرائها بتأكيدهم الفوز بالمقعدين السنيين، وعلى خلفية «حريرية ـــــ إسلامية» في إشارة إلى تحالف المستقبل والجماعات الإسلامية المتنوعة.
إلا أن رئيس ماكينة انتخابية في المدينة يمارس مهامه منذ أربعين عاماً يشير إلى قوة الخصم السياسي المتمثل بالنائب أسامة سعد الذي، في أكثر الحروب المستقبلية ضراوة عليه، بقي يمتلك قاعدة شعبية متماسكة وعصية على التدجين، مشيراً إلى أن «اللحظوية» المذهبية والعصب المحرك للمشاعر والعواطف (الذي يرتكز عليه تيار المستقبل، فضلاً عن ارتكازه على قوة المال) ستبدأ بالسقوط التدريجي. فالمحرض عليهم من الشيعة (كطائفة، لا الشيعية السياسية فقط) تمت التسوية معهم وبدأ تبادل القبل، وعلى قاعدة المصالح فإن تنسيقاً ما قد يحصل. ويخلص معارضون إلى أنه على بعد سنة من الآن يخلق الله ما لا تعلمون، لكن المؤكد أن المعركة لن تكون أصعب من التي مرت على المعارضة في المدينة.
في ركن من محل الحلويات الذي يملكه الرئيس فؤاد السنيورة مع عائلته (لم يعرف بعد ما إذا كان ما يحكى عن ترشحه عن أحد المقعدين السنيين في المدينة مجرد شائعة أو لا) راح سبعة من نخب المعارضة الصيداوية يحسبون الأرباح والخسائر المتأتية من «اتفاق الدوحة». ويتفق هؤلاء على أن المعارضة حققت أهدافها كاملة لجهة الحصول على «الثلث الضامن»، وهو المطلب الأساسي لها، لكن «الرفاق حائرون» ولايخفون انزعاجهم مما يعتبرونه التضحية بأهم قوة مسيحية منذ مئة سنة، يمثلها الجنرال ميشال عون، وهم يعتقدون، بكلام يشبه التحدي، أن الظاهرة العونية أريد لها أن تُضرب من بيت أبيها (الحلفاء) وأن كل ما يحكى عن «تعويض» معنوي ووزاري ونيابي ووظائفي لعون جراء عدم التمكن من إيصاله إلى «حقه الطبيعي» في الرئاسة هو كلام يحمل من السخرية ما يحمل وسينتفي بعدما استتبت الرئاسة للجنرال سليمان.
ومن عون الناسك والمترفع والمضحي والمضحى به، على حد ما يقول أحدهم، ينتقل النقاش إلى موضوع قانون الانتخاب الذي يرى أحدهم «أنه لا يصلح لانتخابات عشيرة أو مجموعة كشفية»، مضيفاً أننا لم نكن نتوقع قانوناً عصرياً بالنظر إلى التركيبة الطوائفية، ولا حتى حلم التمثيل النسبي والدائرة التي تصهر وتوفر الاختلاط، لكن «أعطيتمونا» قانوناً يعود بنا إلى الوراء 50 عاماً، ومع ملح وبهار لفتح الشهية كما يقول آخر، بينما ثالث يشير إلى أن صيدا ستشهد أم المعارك وعلى المنخار، وكان من الممكن توفير قانون يريح الجميع فيها، متسائلاً عن سبب التضحية برؤوس معارضة في العديد من المناطق، وكأن حزب الله يريد التخلص مما يعتبره «حمولة زائدة» أو «أشخاصاً انتهت خدمتهم» بدل التصرف مع الحلفاء كقيم نضالية وطنية. ويخيم على جلسة النقاش شبح التحالف الرباعي الذي يؤكد «الرفاق» أنه قادم لا محالة، وعندما يلفت النادل الذي عايش «الانتخابات البرلمانية في الستينيات» الشباب إلى أن معروف (الشهيد معروف سعد) خاض معاركها على هذا الأساس، يوضح له الشباب أنه في حينه لم يكن الصوت «يقرش» بالمذهب، إنما بالموقف والسياسة والوطنية والعروبة، وكان شعار «من اشتراك باعك»، خلافاً لما هو راهن الآن. وتختم الجلسة بفاتورة كبيرة لحلويات السنيورة «لكنها تبقى أقل بكثير من فاتورة التسويات التي حيكت وفاتورة الدماء التي سالت من أجل التوصل الى اتفاق كهذا» يقول أصغر المتناقشين سناً.
وبعيداً عن الهواجس المثقلة لهؤلاء المعارضين، ولا سيما لـ«اقتطاع» صيدا عن محيطها وتخاصمها مع دورها التاريخي الجامع «إرضاءً للحريري» أو لجهة التفريط بالتيار الوطني الحر ومحاولة بناء قوة مسيحية تكون على أنقاض القوة العونية التي أصيبت بنيران صديقة (على حد ما يعتقده الرواد المعارضون في محل السنيورة)، فإن الواقع يشير إلى أن دوائر «حزب الرئيس» وقواه استأنفت نشاطها منذ اللحظة الأولى لإعلان الاتفاق في قطر، وتحركت بكل الاتجاهات، ولا سيما في الوسط المسيحي شرق صيدا ووصولاً إلى جزين، وراحت توزع المهام: «هنا فرق للتطبيل وتوزيع الحلوى وكل ما يلزم من بروباغاندا للمخلص»، وهناك وعود لبعض الرموز والشخصيات بتوزيع المغانم في العهد الجديد، علماً بأن «أصواتاً» كنسية قرعت قبل أشهر أجراسها محرضة على عون وتياره تساندها قوى حريرية وقواتية وقوى نظامية، حيث تكاملت الجهود وكل من موقعه في أعنف حملة على التيار الوطنى الحر.
في صيدا من يشعر بأن زمن إجراء المقاصة قد بدأ، ووفقاً لهذه الحسابات ستشرع القوى الأساسية في المدينة في تنظيم جدول أعمال مختلفاً بالتأكيد عن المرحلة السابقة.