حسن عليق
تنعقد محكمة جنايات بيروت في قاعة تتغلغل الرطوبة والعفونة في سقفها وجدرانها. ورغم الضرر الذي تشكله هذه القاعة على صحة المترددين إليها، يستمر القضاة بتسيير شؤون العدالة فيها. وكان الموعد أمس مع قضية محاولة تفجير قطارات بألمانيا

كان المتقاضون والمحامون يمشون بين نقاط الماء في قاعة محكمة الجنايات في بيروت أمس، التي شهدت أكثر من عشر جلسات كان أبرزها تلك المخصصة للمرافعة في دعوى الحق العام على عدد من الشبان المتهمين بمحاولة تفجير قطارات للركاب في ألمانيا.
وطوال فترة انعقاد الجلسات، لم تتوقف نقاط الماء عن «الهطل» من سقف قاعة المحكمة وفي أماكن متفرقة منها. وتظهر الآثار التي تركها الماء الدالف من السقف على بلاط الأرض أن هذه المشكلة ليست بنت هذا الشتاء. فالحفر في الأرض عميقة وتشير إلى أن عمر هذه المشكلة يمتد لسنين مضت. وبالنظر إلى مصدر المياه في الأعلى، يتبين أن جزءاً من السقف المستعار قد أزيل أو سقط على مر السنين، ليظهر الاسمنت القديم الذي تنساب منه نقاط من الماء متتابعة من دون انقطاع. أما في محيط قطع السقف المستعار المنزوعة، وفي زوايا القاعة، فتبدو العفونة واضحة في قطع متدلية من السقف تنتظر من يزيلها، أو تنتظر السقوط بمرور الزمن. وإضافة إلى عفونة السقف، تمكّنت الرطوبة من التهام طلاء جدران قاعة المحكمة، وظهرت جلية خلف القوس، بالقرب من لوحة الفسيفساء التي كتب عليها: «ولكم في القصاص حياة». أما النوافذ «المستورة» خلف ستارة معدنية اعوجّت قضبانها، فتفتقر في أجزاء منها إلى زجاج يمنع أصوات السيارات والمطر والهواء البارد من التسلل إلى حيث يجتمع القضاة والمتقاضون والمحامون لتحقيق العدالة. وأحياناً، يعلو صوت صافرات سيارات الشرطة والاسعاف المارة على الطريق العام على صوت رئيسة المحكمة أو صوت المستشارة أثناء تلاوتها أوراق الدعوى، أو صوت ممثل النيابة العامة والمتقاضين ومحاميهم.
هذه القاعة، وغيرها من قاعات المحاكم التي لا تليق بأن تصدر فيها أحكام باسم الشعب اللبناني، لا تحتاج لترميمها سوى إلى جزء يسير من المبالغ التي تخصص سنوياً لتغطية نفقات سفر الضباط الأمنيين إلى الخارج، أو إلى قسم من المال المدفوع ثمناً لآلاف ليترات البنزين التي يتقاضاها قضاة بشكل منح شهرية من المديرية العامة للأمن العام.

جلسة قطارات ألمانيا

وفي القاعة تلك، كانت جلسة محاكمة المتهمين بمحاولة تفجير قطارات ركاب مدنيين في ألمانيا صيف عام 2006، آخر الجلسات أمس. وبعد تلاوة أسماء المتهمين الموقوفين الأربعة: جهاد ح.، خالد ح.، أيمن ح وخليل ب، طلب ممثل النيابة العامة تجريم المتهمين بمواد قرار الاتهام. وبالمقابل، طلب محامو المتهمين تبرئة موكليهم أو منحهم الأسباب التخفيفية. وكان للمحامي فواز زكريا، وكيل الموقوف الأول، مطالعة طويلة رأى فيها أن موكله تعرّض «لغسل دماغ» من المتهم الموقوف في ألمانيا يوسف م.، الذي تعرّف إليه جهاد بعدما ذهب إلى ألمانيا للدراسة، فصار يوسف يعرض على جهاد «شرائط وصوراً للعمليات الجهادية في أفغانستان، ويحدّثه عما يعانيه السجناء المسلمون من تعذيب في السجون الأوروبية والأميركية، ويريه رسوماً مسيئة للنبي محمد، قبل أن يطلعه على فتاوى تبيح قتل الأبرياء دفاعاً عن كرامة الرسول». وبعدما غادر جهاد المنزل الذي كان يسكنه مع يوسف في مدينة كيل، لحق به الأخير إلى مدينة كولن، «لمتابعة غسل الدماغ»، حيث أقنعه بتحضير المتفجرات لوضعها في محطة قطارات. وذكر المحامي زكريا أن موكله تعمد تعطيل المتفجرات بقصد عدم انفجارها، عبر تغيير موقع الأسلاك الكهربائية فيها خلافاً لما أوصت به تعليمات الموقع الالكتروني الاسلامي الذي تعلّم عبره مع يوسف كيفية تحضير متفجرات من مواد منزلية. وذكر زكريا أن الشرطة الألمانية قالت في تقرير أرسلته إلى السلطات اللبنانية «إن خطأً تقنياً حال دون انفجار العبوات في محطة القطارات». وطلب زكريا تبرئة موكله من تهمة محاولة القتل قصداً واعتبار عمله من نوع جنحة التهديد بالسلاح.
أما وكيلة المتهم خليل ب. المحامية هلا حمزة فقالت في مرافعتها إن موكلها يعارض معتقدات تنظيم القاعدة وخاصة قتل المدنيين. وأضافت أنه موجود في سجن رومية منذ ما قبل محاولة التفجير بستة أشهر لكونه ملاحقاً في قضية أخرى امام المحكمة العسكرية. وأكّدت أنه لا تربطه بالمتهمين أي صلة، وكل ما في ملف التحقيق بشأنه هو شخص كان يتصل به هاتفياً وكان يتواصل مع أحد المتهمين. وطالبت حمزة بتبرئة موكلها من التهمة المنسوبة إليه. كذلك طلب المحاميان عبد الرحمن طه ومنير الحسيني، وكيلا خالد ح. وأيمن ح.، تبرئة موكليهما لعدم صلتهما بالقضية ولأن المتهم جهاد ح. أقر بأن القضية محصورة بينه وبين يوسف م..
بعد ذلك، منحت رئيسة المحكمة القاضية هيلانة اسكندر الكلمة الأخيرة للمتهمين الذين طلب أولهم الشفقة والرحمة، فيما طلب الثلاثة الآخرون البراءة، قبل أن تقرر إصدار الحكم بعد أسبوع.