خضر سلامةعام 2006، أطلق ثلاثة موظفين سابقين في شركة باي بال مشروعهم الجديد: يوتيوب، هل كان يتوقع شاد هورلي، وجواد كريم وستيف شن، أن يتحول مشروعهم الذي اشترته غوغل في العام اللاحق، والذي صنف حين إصداره على صفحات مجلة Pc world كأحد أفضل عشرة منتجات لعام 2006، إلى وسيلة إعلامية بديلة عالمية مسيطرة على مزاج فئة واسعة من الرأي العام، حسب وصف مجلة التايمز التي صنفت مستخدميه بأنهم من ضمن «شخصيات العام»! كان خطاب أوباما أثناء حملته الرئاسية يمكن أن يظل خطاباً تلفزيونياً عابراً، لو لم تعِ ماكنته الانتخابية حينها أهمية تحويله إلى مادة دسمة لزائري اليوتيوب، ساهمت في عملقة مشروع أوباما وشخصيته و«أحلامه» التي لامست من خلف الشاشة الإلكترونية وعي «الجمهور الجديد».
الواشنطن بوست، وصفت يوتيوب العام الماضي بأنه «الموقع السياسي» الأكثر تأثيراً في التحركات الشبابية المصرية المعارضة، بعدما اتجه المدوّنون إليه هرباً من ملاحقات السلطة لمدوّناتهم.
تحوّل يوتيوب إلى محج الباحثين عن مشهد التقطه هاوٍ من هنا، أو أرشفة مستخدم لنقل تلفزيوني سابق لما يجري، تماماً كما جرى مع حوادث قريبة في التيبت وبورما وكما يجري دوماً في صراعات المعارضين مع السلطات الأوروبية وصور احتجاجاتهم.
«نحن أمام وسيلة إعلامية بديلة ضاغطة، أخطبوطية الشكل وعالمية الاتصال» يقول شارل سيو بروفيسور علم الاجتماع في جامعة نانت الفرنسية، ويضيف في حديث إلى «الأخبار» أنه «يمكن إرجاع سبب نجاح يوتيوب الجماهيري إلى الانفجار الثوري للويب في جيل اليوم، والانحدار في دور الإعلام التقليدي وتحوله إلى تابع اقتصادي سياسي للسياسات الرسمية، الغياب المزمن منذ الثمانينيات لأي شكل من أشكال التعبير المعارض المحاكي للشباب، وأخيراً، طبيعة يوتيوب المجانية والمفتوحة أمام الاستخدام والمشاهدة على حد سواء، والتسويق الناجح وشموله السياسة والفن والترفيه والإعلان وحتى الفيديوهات الشخصية». يتابع سيو «ساهمت استراتيجية غوغل الاحتكارية ومهارتها التسويقية في نجاح يوتيوب»، نجاح لا يمكن حصره في المجال السياسي حسب محدثنا، إذ يجب الالتفات إلى دوره في شهرة عدد من الفنانين الجدد، وإلى اتجاه عدد من الشركات أيضاً إلى نشر إعلاناتهم على الموقع، «ما يثبت بحق قوة يوتيوب التبشيرية، قوة تضاهي قوة توزيع البيانات والنشرات والإعلانات التقليدية، في عالم أصبح محكوماً بقوة الصورة والصوت المؤمّنين في الموقع».
«استوعبت غوغل قوة يوتيوب، وتتجه الشركة إلى إنشاء إمبراطورية إعلامية تتمتع إلى الآن بحرية واسعة النطاق، حرية يفصّلها المستخدم على قياس ما يريد نشره والفكرة المراد إيصالها». الفكر الإمبراطوري يبرهنه سيو بتقدير سويسري صدر أخيراً بأن يوتيوب سيسجل خسارة تقارب النصف مليار دولار هذا العام بسبب ندرة الإعلانات عليه، ورغم ذلك تحتفظ غوغل بالخدمة، ما يفتح المجال أمام التكهن بنوايا الشركة لاستغلال هذه الشعبية.
«معظم المؤسسات التلفزيونية الضخمة حجزت مقاعد لها على خدمات القنوات على يوتيوب، دول قررت حظر يوتيوب، وأخرى تنسق مع إدارته دورياً لحظر فيديوهات معينة، إعلانات الأفلام، الأناشيد الثورية والنوادر الفنية، فيديوهات خاصة يجري تناقلها، حدث معين يسجل وتكرر مشاهدته مئات المرات، كلها حوادث يومية على يوتيوب، تحوله إلى ظاهرة اجتماعية ضاغطة ومؤثرة ومكان جيد للرسائل السياسية والتعبوية، أو التسويق التجاري المدروس بدقة، بالإضافة إلى خانات التعليقات التي تتحول إلى فسحة تفاعل بين المستخدم وشاشته، وبين المستخدمين أنفسهم، يوتيوب أصبح أشبه بجمهورية ضخمة بقوانين ذاتية، وبنفوذ واسع» يختم شيو، مشدداً على أن الإنترنت محرك جاد للرأي العالمي اليوم، ويوتيوب إحدى أهم أدواته.