غييرمو سوارس *إذا كان هناك في العالم متفائلون لم ينتبهوا بعد إلى أن الوعود الهوائية بـ«التغيير»، التي صدرت عن الساكن الجديد للبيت الأبيض، لم تخرج عن كونها فصلاً من سكرة انتخابية عابرة، فما عليه إلا أن ينظر إلى آخر ممارسات سلطته التنفيذية الجديدة تجاه جزيرة كوبا الأبّية.
إنّ أول التصريحات والخطوات التي صدرت باتجاه الإدارة السياسية في هافانا، تجعلنا نعتقد أن أوباما ومستشاريه سيظّلون يراهنون على «سياسة التشدّد» التي انتهجتها الإدارات الأميركية السابقة على مدى خمسين عاماً من عمر وجود الثورة الكوبية، من دون التمّكن من إطاحتها، وليس على سياسة «النهج الجديد» أو «البداية الجديدة مع كوبا» كما وعدوا قبل الفوز الانتخابي في الرابع من تشرين الثاني / نوفمبر خلال مؤتمر قمة الأميركيتين الخامس الذي انعقد في بورت أوف سبين، ترينيداد توباغو في شرق بحر الكاريبيأقول هذا لأنه، إذا كان القصد من «التحسن» حقيقياً، فيكون أوباما قد فوّت بعض الفرص الجيّدة لتحويل الأقوال إلى أفعال.
أما بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن الرئيس الأميركي الجديد الأسود و«المدافع عن الأقليات»، لن يوافق على اعتماد الأسلوب نفسه والكمّ المعتاد من «الأكاذيب» و«ازدواجية المعايير» التي تتطلبها عادة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية لكي تستمرّ، فلديّ أخبار سيئة لأعلمهم بها.
بطلب صريح من السلطة التنفيذية في واشنطن إلى المحكمة العليا الأميركية، قرّرت هذه الأخيرة في 15 حزيران / يونيو الماضي رفض إعادة النظر في قضية الأبطال الكوبيين الخمسة: هيراردو، رينيه، رامون، أنطونيو وفرناندو الذين كانوا يناضلون لمكافحة الإرهاب، وهم مسجونون منذ نحو 11 عاماً، وقد أصبحوا معروفين في العالم أجمع بفضل موجة التضامن العارمة معهم التي لم تستوعبها واشنطن بعد.
لقد ألقي القبض عليهم في 12 أيلول / سبتمبر عام 1998، بتهمة «التجسّس» لمصلحة كوبا، وبعد سنة ونصف تقريباً، وأيضاً بضغط من الحكومة، فرضت عليهم أحكام قضائية مفرطة وجائرة، بالرغم من أن الادعاء العام لم يتمكن من تقديم أي دليل يثبّت من خلاله الاتهامات الأساسية الموّجهة إليهم.
أما بالنسبة للمحاكمة التي دبّرت وأديرت في ميامي، مركز المواقف الرجعية والأكثر عدائية ضد كوبا، وبالتالي فهو المكان الأسوأ في العالم للبحث أو الحكم في قضية كوبية ما، فقد أظهرت كمّاً من الانتهاكات الخطيرة للقوانين الأميركية نفسها ولسير العملية القضائية عموماً، إلا أن المحكمة العليا الخاضعة للتأثير السياسي، والمؤلفة من تسعة قضاة، رفضت مراجعتها والاطلاع عليها.
وهكذا تكون الولايات المتحدة الأميركية قد أثبتت، مرة جديدة، عدم وجود مبدأ الفصل بين السلطات التي طالما «تغنّت به»، الأمر الذي حوّل المحكمة العليا إلى أداة إضافية في سياستها تجاه كوبا والمندّد بها عالمياً.
أما الأبطال الخمسة، الذين كانوا قبل اعتقالهم يقومون بمهمات فائقة الأهمية دفاعاً عن الثورة الكوبية وحماية للشعبين على جانبي مضيق فلوريدا من الإرهاب المعادي لكوبا والمدعوم من الإدارات الأميركية المتعاقبة، فقد كان ردّهم فوريّاً من سجونهم على قرار قضاة المحكمة العليا، بالتعهّد بمزيد من المقاومة والصمود والتفاني في واجبهم الثوري.
أمّا ردود الفعل لحركات التضامن في العالم، فلم تتأخّر، حيث عمّت التظاهرات في هذه الأيام الساحات في مختلف بلدان العالم، أمام مقرّات البعثات الدبلوماسية للإمبراطورية الشمالية (الولايات المتحدة) للتنديد بقرار المحكمة العليا والمطالبة بتحقيق العدالة لهؤلاء الرجال الخمسة.
ولم يكن لبنان في هذا المجال استثناءً، فقد قصد أكثر من 100 رجل وامرأة في تمام الساعة العاشرة صباحاً من يوم السبت الماضي، محيط السفارة الأميركية في عوكر، ليعلنوا بوضوح عن رفضهم للظلم الذي يرتكب بحق هؤلاء الشباب وتنديدهم به.
أما الدولة الكوبية، فمن خلال رئيس البرلمان ريكاردو ألاركون دي كيسادا، فقد اشترطت في بيان أدلى به أخيراً، تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بإطلاق سراح هؤلاء الرجال، لتصبح هذه القضية من أولى الأولويات في جدول أعمال المفاوضات الثنائية، وهذا ما يجعلني لا أستغرب أن يضاف، على الأرجح، إلى الشعار الشهير الذي أطلقه زعيم الثورة الكوبية فيدل كاسترو منذ نحو 50 عاماً: الوطن أو الموت، سننتصر! شعار آخر ألا وهو: سيعودون حتماً!
* السكرتير الأول في السفارة الكوبية لدى لبنان