اتسعت دائرة الاحتجاج على قرار وزارة التربية إخلاء مدرسة الجديدة الرسمية للصبيان في طرابلس، أو «السلطانية»، فنفّذ الطلاب وأهاليهم اعتصاماً بمشاركة شخصيات سياسية وأعضاء المجلس البلدي، لأن التوقيت غير ملائم والبدائل المطروحة ليست مناسبة عبد الكافي الصمدرفض طلاب مدرسة الجديدة الرسمية للصبيان في طرابلس وأهاليهم إقفال المدرسة بحجّة احتمال انهيار أجزاء من سقفها المتشقق أو جدرانها المتصدعة، وتعريض سلامة التلامذة فيها للخطر، ومن أجل مباشرة أعمال التأهيل فيها. وترافق الاعتصام الذي نُفذ السبت، مع لغط كبير دار حول ما إذا كان الإخلاء تمهيداً لترميمها وإعادة تأهليها، أم لهدمها وبناء مدرسة جديدة مكانها؟
تجمع عشرات النّساء والرجال من ذوي التلامذة أمام المدخل الرئيسي للمدرسة، التي يتشارك تلامذة مدرسة فرح أنطون الرسمية مع تلامذتها المبنى ذاته بعد تهجيرهم إليه، وقد بدت عليهم علامات الاستياء الشديد «أين وزير التربية الذي يريد رمي أبنائنا في الشارع ليسمع صوتنا؟»، تقول إحدى السيدات المشاركات في الاعتصام، فتجيبها مشاركة أخرى: «ومن نحن حتى يهتمّ بنا وبأولادنا الوزير أو غيره؟»، قبل أن تتابع بصوت مرتفع وبحدّة: «لن ندع هذا الأمر يمرّ، وليفعلوا ما يشاؤون».
من جهتها، أكدت رئيسة لجنة الأهل في المدرسة آمال الدهب «رفضنا التام نقل أولادنا إلى مدرسة أخرى قبل انتهاء العام الدراسي، وعدم قبولنا فكرة الدوامين، أو نظام المداورة مع المدارس التي سيُنقلون إليها». وأوضحت أنّ «الوضع الأمني والاحتماعي غير المطمئن لا يسمح بتقبل عودة التلامذة إلى منازلهم عند السّابعة مساءً»، لافتة إلى أنّ المبنى «ليس خطراً لدرجة لا نستطيع إكمال العام الدراسي فيه». وتساءلت: «هل ينبغي أن يكون الفقراء دوماً ضحية، وأن لا يتعلم أبناؤنا ويتشرّدوا في الشوارع؟».
أما توفيق سلطان، أحد الشخصيات السّياسية الطرابلسية المقرّبة من «تيّار المستقبل»، فأعلن تضامنه مع الأهالي، وقال إنّ طرابلس «خسرت في القرن الماضي معالم تراثية وأثرية وبيئية يصعب تعويضها»، سائلاً: «لماذا حوّلوا طرابلس إلى قرية؟». ودعا إلى «عدم تشويه هذا المعلم الحضاري»، معرباًً عن أسفه لأن رئيس البلدية رشيد جمالي قال له إنّه «لا يعلم شيئاً عن هذا الموضوع». وحمّل فاعليات طرابلس مسؤولية الإهمال والتقصير، مشيراً إلى أنّ السلطة المركزية غائبة عن الرؤية الحقيقية، وأهل المدينة هم من يجب أن يطلعوها على الأمور. وانتقد قرار وزارة التربية «الذي يمتهن كرامات الناس، وهو أمر
معيب».
وتساءل مؤرّخ طرابلس الدكتور عمر تدمري عن الحكمة من وراء هدم المدرسة، معرباً عن اعتقاده بوجود «مخططات ومشاريع تُطبخ في بيروت من غير أن يدري أهل طرابلس بما يُدبّر لهم». ووصف عضو البلدية جلال عبس القرارات بـ«الارتجالية، وهي تعرض على المجلس البلدي وكأنّها تحصيل حاصل»، مؤكّداً أنّ «موقفنا داخل البلدية سيكون معارضاً للمشروع».
أمّا زميله في البلدية الدكتور خالد تدمري فأوضح أنّه اتصل بوزير التربية خالد قبّاني، الذي تبيّن أنّه «ليس على اطلاع كاف على المشروع، وأنّ مجلس الإنماء والإعمار أبلغه أنّ القرار يلحظ هدم المبنى الحالي بكامله، مع إبقاء واجهته التراثية فقط»، موضحاً أنّ «المشروع يقضي ببناء 7 طبقات على كامل مساحة المدرسة الحالية، كي يتسع لعدد أكبر من الطلاب، وطابقين تحت الأرض مواقف للسيّارات، ويزيل باحته المكشوفة، على أن يكون الملعب فوق السطح. أمّا واجهته التراثية فألغيت، وأبقي على الباب الرئيسي فقط، ولكن بعد سجال طويل قمنا به كلجنة آثار وتراث في البلدية، توصّلنا إلى إدراج المبنى على لائحة الآثار، لكنّ وزارة الثقافة أدرجت الواجهة الخارجية فقط، بسبب ضغوط سياسية معروفة أنتجت قراراً كهذا».
وتحدث رئيس المنطقة التربوية في الشّمال حسام الدّين شحادة، الذي حضر الاعتصام، إلى الأهالي عبر مكبّر للصوت، واعداً إياهم بأنّه سينقل هواجسهم إلى الوزير، ويؤمّن لقاءً عاجلاً لهم معه، لعرض الموضوع واتخاذ القرار المناسب، لافتاً إلى أنّه «إذا لم يكن المبنى مهدداً بالسقوط، فيمكن تأجيل الإخلاء حتى نهاية العام الدراسي، أما إذا أفادت التقارير الهندسية بأنّ المبنى يهدد سلامة التلامذة، فحينها يجب إخلاؤه اليوم قبل الغد».