ليس ضرباً من الخيال، ولا حكاية من حكايات الليالي، لكنّها منطوق واقع معيش. الشيخ علي سلمان، الأمين العام لـ"جمعية الوفاق"، الذي يمتلك قدرة فائقة على الحوار والتفاوض، تحوّل، بين ليلة وضحاها، من محاور سياسي مع ولي عهد البحرين في عام 2011، إلى متّهم بالتخابر مع دولة أجنبية، اسمها قطر، ويقضي الآن حكماً بالمؤبّد مع قيادات معارِضة أخرى. هي قِصّة من الواقع المرير للبحرينيين في وطنهم، حين يصير السياسي ضحية الخلاف بين الدول المتصارعة. ففي الـ27 من كانون الأول/ ديسمبر عام 2014، أوقف الشيخ علي سلمان بتهمة التحريض على بغض طائفة من الناس، وإهانة وزارة الداخلية. وحكم عليه في العام التالي بالسجن 4 سنوات. ومنذ ذلك الحين، لم يعد إلى بيته وأهله. في نظام محكوم بالاستبداد، لا مهرب، إذاً، من التهم المكيّفة سياسياً، وهي الحاضرة بإمرة القضاء. لسنا هنا نتكلّم عن قديس، بقدرِ ما تحملك صفات الأمين العام لـ"الوفاق" على احترامه، حتّى من المختلفين معه حباً أو كرهاً بما يمتلك من كاريزما السياسة والإقناع. قاد الشيخ علي سلمان، قبل دخول قوات "درع الجزيرة"، حواراً متكافئاً استناداً إلى المبادرة الأميركية - الخليجية للحلّ السياسي في البحرين، والتي جاءت عبر وساطة قطرية - سعودية، ومتابَعة من قِبَل مساعد وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جيفيري فيلتمان. وكان النظام شريكاً في عملية التفاوض ممثَّلاً بولي العهد، سلمان بن حمد، كما كانت الاتصالات تجري بعلم الملك ومعرفته.
يُصنَّف الشيخ علي سلمان بكونه من المنادين بالديموقراطية التوافقية، إذ كان شديد الحرص على إقناع جميع الأطراف بأهمية إيجاد تعدّدية سياسة آمنة في البحرين. وهو الذي بقي في سجن "جو" المركزي بعدما حوّله النظام موطناً للمحكومين بتهم سياسية. ولكن، متى ما فُقدت العدالة، فُقد معها الشعور بالأمان، بخاصّة حين يكون الكيد السياسي حاكماً، حيث تحوّل علي سلمان، من محاورٍ لوليّ العهد في "مبادرة تسوية" إلى متّهم بالتخابر مع حكومة قطر بعدما تم اقتطاع أجزاء من مكالمة صوتيّة للأمين العام لـ"الوفاق" مع وزير الخارجية القطري آنذاك، جاسم بن حمد ، وركّبت في قصة تخابر بغرض ارتكاب أعمال عدائية ضدّ البحرين والإضرار بمصالحها القومية. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، وجّهت إليه تهمة التخابر من قِبَل النيابة العامة البحرينية، قبل أن تؤيّد محكمة الاستئناف هذه التهمة في الرايع من تشرين الثاني في العام التالي، ويُحكَم عليه بالسجن المؤبّد مع قياديين آخرين في "جمعية الوفاق". لقد ذهب الشيخ المحاور ضحية الخلاف الخليجي، والذي لا تزال ارتداداته مستمرة.
فهل يعود الحكم إلى رشده؟ من الأصلح أن يتخلّى النظام في البحرين عن تقليد التصفيات السياسية التي لن يجني منها طائل، وأن يبادر إلى التفاهم مع خصوصه ومعارضيه. وعندها، سوف يجد في الشيخ علي سلمان الذي يسجنه، بوابة كبرى للمصالحة الوطنية التي أوصى بها بسيوني في نهاية تقريره الشهير.
في الـ27 من الشهر الجاري، أكمل الشيخ علي سلمان ستة أعوام في محبسه، وهو الإنسان الذي يعرف الحب في ذاته، متناغم مع غيره، تحفيزي في منهجه وفكره، ويحمل حلماً بإقامة مجتمع يتساوى فيه الجميع، وسوف تبقى البحرين تحتاج إليه وتحتاج إلى أمثاله لإقامة دولة المواطَنة والعيش المشترك.

* قيادي في جمعيّة الوفاق البحرينيّة