لكن الموقف العربي في شأن الجولان بدا أكثر وضوحاً مما هو عليه في شأن القدس. وهو تفاوت تتصدّر مشهديته السعودية التي يبدو أن حسابات كثيرة تدفعها إلى رفض القرار الأميركي بخصوص الجولان، بوضوح هذه المرة. إذ إن تعثر مشروع «صفقة القرن»، ومحاولات تركيا المتواصلة تظهير نفسها في صورة الحريص على القضية الفلسطينية و«الحقوق الإسلامية»، تثير هواجس لدى المملكة من أن تغدو في عزلة عربية تسمح لمنافسيها الإقليميين بالاستحواذ على ساحة الصراع العربي ــــ الإسرائيلي. وقد بدا ذلك «التحول» لأول مرة في الـ 19 من الشهر الماضي، على لسان السفير السعودي في عمّان، خالد بن فيصل بن تركي، الذي قال إن بلاده تدعم «الوصاية الهاشمية» على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
غابت عن القمة قضايا حساسة كالأزمة في الجزائر والسودان والأزمة الخليجية
وفي ظلّ الواقع الذي فرضته الدول العربية والأوروبية برفض القرار الأميركي في شأن الجولان، تجد السعودية أن أفضل موقف يمكن اتخاذه هو التمسك بـ«مبادرة السلام العربية»، التي تنص في بندها الأول على مطلب «الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري». مردّ ذلك خشية الرياض من تداعيات المواجهة المحتدمة بين إدارة دونالد ترامب والكونغرس، الذي يطالب بمعاقبة السعودية على جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي وجرائم الحرب في اليمن، وتصحيح العلاقة مع المملكة وضبطها. وعلى رغم أن مشاريع الكونغرس لا تمثل خطراً مباشراً على الرياض؛ كون الرئيس يتسلح بـ«الفيتو»، إلا أن خطرها يكمن في الانتخابات الرئاسية المرتقبة بعد أقلّ من عامين (في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020). وهو استحقاق يبدو أن السعودية بدأت تتحسّب له باتخاذ مواقف أكثر حذراً.
تخشى المملكة، أيضاً، من كون القرار الأميركي يؤسس لقرارات أخرى محتملة، وصفها رئيس «مركز نماء للاستشارات الاستراتيجية»، فارس البريزات، بـ«الخطيرة على القضية الفلسطينية». فهو لم يستبعد أن تقوم إسرائيل ــــ بمباركة أميركية ــــ بضمّ «مناطق من الضفة الغربية أو غور الأردن بالطريقة نفسها التي ضمّت بها القدس والجولان»، وهو ما كشف عنه كتاب «كوشنر وشركاؤه: الطمع والطموح والفساد» للإعلامية الأميركية فيكي وارد الأسبوع الماضي، بالإشارة إلى أن «صفقة القرن» التي أعدّها كوشنر تتضمن تنازلات من الأردن عن قسم من أراضيه لـ«الدولة الفلسطينية العتيدة»، على أن يتلقى بدوره أرضاً سعودية بديلة، لتمكين الاحتلال من الاحتفاظ بمساحة كبيرة من أراضي الضفة وضمّها إلى سيادته.
ويأتي الموقف السعودي، ومعه العربي، الأخير، في وقت بدا فيه أن القرار الأميركي في شأن الجولان اعتمد على خروج هذه المنطقة من اهتمامات العرب. إذ كانت السعودية، عبر إعلامها الرسمي، تروّج لزعمها أن «الهضبة محتلة بموافقة سوريا»! هذا ما كرره، أخيراً، الصحافيان المقربان من دوائر الحكم، عبد الرحمن الراشد ومحمد آل الشيخ. وفي حين اعتبر الأول أن سوريا لا ترغب في استعادة الهضبة لأن «لها أثماناً أغلى سياسياً»، معدداً منها أنها «احتلت لبنان لعشرين عاماً»، عنون الثاني مقالته بـ:«ضم الجولان لإسرائيل يسعى إليه بشار والعدو الفارسي»، معتبراً القرار «انتصاراً تاريخياً لإسرائيل»، وأن سوريا لم تكن تريد تحرير الهضبة، على اعتبار أن «مقاومة المحتل ستبقى ورقة تبرر بقاء حكم العسكر في سوريا».
وبالعودة إلى القمة، وفيما غابت عنها قضايا حساسة كالأزمة في الجزائر والسودان والأزمة الخليجية، حضرت أزمتا اليمن وليبيا بشكل خجول. لكن الملك سلمان لم يفوت المناسبة لمهاجمة إيران وحيداً بين القادة العرب، إلى جانب موقف مماثل من أبو الغيط، تحدث فيه عن أن «التدخلات من (جانب) جيراننا في الإقليم، وخاصة من إيران وتركيا، فاقمت من تعقد الأزمات»، الأمر الذي دفع بأمير قطر، تميم بن حمد، إلى الخروج من القاعة.