في اليوم الثامن على التوالي، باتت قضية اختفاء جمال خاشقجي أشبه بمحاكمة دولية مستمرة. تقف السعودية خلف قفص الاتهام، فيما تلعب تركيا دور «النيابة العامة». أما الحكومات الغربية، الحليفة للبلدين، فتجلس على قوس «المحكمة»، كما لو أنها «لجنة قضاة» في جلسة استماع علنية، محذرة السعودية، قبل لفظ «الأحكام»، من عواقب «مدمرة» إذا ما صحت الاتهامات بضلوعها في مقتل الضحية، فيما تجول وسائل إعلام الرياض، ذهاباً وإياباً، برداء المحامي الحذق الذي يسلك الطرق الملتوية، القانونية والسياسية، للدفاع عن موكله، من دون أن يعرف حقيقة ما جرى، على رغم أنها قضية تمس «المهنة»، أولاً وأخيراً.
سيارات ديبلوماسية... طرف خيط
مع كل جديد يوصل إلى طرف خيط عن مصير جمال خاشقجي، تقترب النهاية المتوقعة، أن الصحافي البارز قُتل بعملية مدبرة من قبل الرياض. فبشأن مصير الرجل، كشف فريق التحقيق التركي، أمس، عن تحديد 3 مناطق في إسطنبول، يشتبه في أنه تم إخفاء خاشقجي فيها، مؤكدة أن الفريق قد يقوم بعمليات حفر إذا تطلب الأمر، بحثاً عنه. أما في شأن المسؤول عن العملية، فقد نقلت قناة «سي أن أن ترك»، عن فريق التحقيق، أن السلطات تعرفت على 7 مشتبه في علاقتهم باختفاء الرجل، وذلك بعد أن تفحصت تسجيلات كاميرات الشوارع، بحثاً عن «سيارة سوداء»، ذات زجاج داكن، تعتقد أنها حملت جثة خاشقجي من القنصلية، الأسبوع الماضي. وبحسب ما كشفت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية، حلل المحققون تسجيلات خمسة أيام من كاميرات المراقبة، التي صورت كل الداخلين والخارجين عبر بوابتي القنصلية السعودية، ولاحظوا في تلك التسجيلات، رجالاً من داخل المبنى، ينقلون صناديق إلى السيارة السوداء، خلال الساعات الأولى التي أعقبت اختفاء خاشقجي. تلك السيارة، كانت واحدة من ست سيارات، كانت تقل «فريق تصفية سعودياً» بحسب المحققين، الذين يعتقدون أنه وراء مقتل خاشقجي، مشيرين إلى أن القافلة المذكورة، غادرت القنصلية بعد نحو ساعتين من دخول خاشقجي، وقد أظهرت كاميرات أمنية، وجود صناديق في الشاحنة التي تحمل لوحة ديبلوماسية. وبعد مغادرة الأخيرة القنصلية، سارت ثلاث سيارات أخرى يساراً، بينما اتجهت البقية يميناً، أما السيارة السوداء، فقد اتجهت إلى طريق سريع قريب.
أوصلت مراقبة سيارات ديبلوماسية تابعة للقنصلية إلى طرف خيط في القضية


ما سبق، يرجح أن الصحافي السعودي لم يخرج من تركيا. ويدعم ذلك، إعلان مصادر تركية، نقلت عنها وكالة «الأناضول» الرسمية، أمس، أنه جرى تفتيش طائرة خاصة قادمة من السعودية، هبطت على مدرج مطار «أتاتورك» الدولي في إسطنبول، يوم اختفاء خاشقجي (الثلاثاء الماضي)، لكن لم يعثر المسؤولون الأمنيون على أثر له صلة باختفاء خاشقجي، إذ سمحوا عقب ذلك للطائرة السعودية بالمغادرة في نفس اليوم. لكن المصادر لم تقدّم أي معطيات عن طائرة ثانية، أشار إليها المسؤولون الأتراك، السبت الماضي، بقولهم إن «15 سعودياً، بينهم مسؤولون، وصلوا إسطنبول على متن طائرتين، وتواجدوا في القنصلية السعودية، بالتزامن مع وجود خاشقجي فيها»، فلم تعلن سلطات أنقرة ما إذا تم تفتيش الطائرة الثانية، أو ما إذا كانت قد حققت مع من كان على متن الأولى، حول أسباب تواجدهم في القنصلية بالتزامن مع اختفاء خاشقجي، خصوصاً أن أفراد الفريق، حجزوا أربع ليال في فنادق عدة نزلوا فيها قرب القنصلية، وبعضهم غادر إلى مصر، وآخرون إلى دبي، بحسب ما نقلت صحيفة «صباح» التركية، المقربة من الحكومة، أمس، عن مصادر أمنية.

حلفاء الرياض يطالبونها بالتعاون!
بعيداً من المعطيات التركية المبهمة والمتناقضة أحياناً، بات من الواضح أن لغز القضية بات محصوراً بما حصل داخل القنصلية خلال اليوم الأول على دخول خاشقجي، في حين لا تبدي الرياض أي تعاون مع سلطات أنقرة، سواء في شأن تسجيلات كاميرات المراقبة الداخلية (لا تطلع عليها السلطات التركية)، التي تقول القنصلية إنها كانت تصور بشكل مباشر و«لم تكن تسجّل»، وهو ما جدد تأكيده السفير السعودي لدى واشنطن، خالد بن سلمان، أمس، لـ«واشنطن بوست»، الصحيفة التي كان يعمل لديها خاشقجي كاتباً لعمود رأي، أو بشأن «إثبات» خروج خاشقجي من القنصلية. حتى أنها لم تعلق على وصول مجموعة السعوديين الـ15 إلى إسطنبول، وأسباب دخولهم القنصلية وقت تواجد خاشقجي.
ما سبق، دفع بحلفاء الرياض إلى مطالبتها بالتعاون في التحقيقات الجارية، لا سيما الأمم المتحدة، كما جاء على لسان الناطق باسم أمينها العام، استيفان دوغريك، أمس، بالقول، إن «(أنطونيو) غوتريش، يوافق تماماً على البيان الذي أصدرته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بشأن ضرورة تعاون السعودية وتركيا في التحقيقات الخاصة بالكشف عن اختفاء خاشقجي». ومن جهتها، دعت الولايات المتحدة الرياض إلى دعم إجراء «تحقيق شامل» بشأن اختفاء خاشقجي، و«التحلي بالشفافية بشأن نتائجه»، كما قال وزير الخارجية، مايك بومبيو، في وقت خرج الرئيس دونالد ترامب، عن الصمت، معبراً عن قلقه، ومؤكداً أنه لا يعرف شيئاً في الوقت الراهن عن اختفاء خاشقجي، لكنه أكد أنه سيتحدث مع المسؤولين السعوديين «في مرحلة ما»، فيما شدد نائبه، مايك بنس، على أن «العالم يطالب بإجابات عن قضية الصحافي السعودي».