مع اقتراب موعد إنجاز الانسحاب الأميركي من العراق، تتكثّف زيارات أركان الادارة الأميركية إلى بغداد، بالتزامن مع استمرار الجولة الأميركية لرئيس الحكومة نوري المالكي. ووسط ما بدا أنه إخفاق لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن في الاتفاق مع حكام العراق على مسائل حصانة وعدد الجنود الذين سيبقون في بلاد الرافدين تحت توصيف مدربين أو مراقبين للأجواء العراقية، حطّ وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا (الصورة) في بغداد، على وقع احتفالات بمغادرة آخر جنود الاحتلال للفلوجة، التي ظلت لفترة طويلة رمزاً للمقاومة، خصوصاً في عام 2004. في المقابل، تتسارع محاولات تهدئة الأجواء التي أشاعها قرار محافظة ديالى التحول إلى إقليم، شأنها شأن بعض المحافظات الأخرى، في مؤشّر قديم ــ جديد إلى أن التداعيات السياسية للاحتلال باقية طويلاً في العراق.
وأعلنت لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، أن الوزير بانيتا وصل إلى بغداد أمس في زيارة مفاجئة كالعادة عندما يتعلق بالزيارات الأميركية إلى المستنقع العراقي، «للتباحث مع المسؤولين العراقيين حول الإنسحاب العسكري الأميركي، فضلاً عن حضور احتفالية للمناسبة تُقام في بغداد غداً (اليوم) الخميس». ومن المتوقع أن يسعى بانيتا إلى التشديد على الطلب الأميركي الذي سجّله بايدن الأسبوع الماضي، القاضي بإبقاء 1800 جندياً أميركياً لمراقبة وحماية الأجواء العراقية، إضافة إلى توظيف 15000 أميركي في السفارة الأميركية لدى العراق، وهو ما ترفضه قطاعات عراقية واسعة، انضمت إليها أمس «القائمة العراقية» التي يرأسها إياد علاوي. وقال مستشار «العراقية» هاني عاشور، في بيان، إن «زيادة عدد الأميركيين في العراق سيسمح لجهات خارجية أن تبقي على تدخلها في البلاد تحت ذريعة الوجود الأميركي الواسع»، مشيراً إلى أنّ الزيادة ستجعل الحكومة رهينة الرغبات والإرادات الأميركية «من دون تقديم ما ينفع الشعب العراقي بشكل ملحوظ». وأضاف عاشور أنّ «زيادة عدد العاملين الأميركيين في العراق من خلال التمثيل الدبلوماسي والمدربين العسكريين، وبقاء شركات أمنية عديدة «سيجعل من فكرة الانسحاب الأميركي غير مجدية».
وكانت مدينة الفلوجة قد شهدت يوم أمس سلسلة احتفالات تستمر لثلاثة أيام بحماية الجيش، لمناسبة قرب اكتمال عملية الانسحاب الاميركي من البلاد. وتحت عنوان «يوم انطلاق المقاومة في الفلوجة يوم العراقيين جميعاً»، تجمّع الآلاف في وسط الفلوجة (في محافظة الأنبار) حاملين أعلام بلدهم، ومردِّدين هتافات مناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل اللتان أُحرق علماهما. ووضع المشاركون على رؤوسهم قبعات كتب عليها «مهرجان الفلوجة السنوي الأول لتخليد دور المقاومة». ورأى المتحدث باسم «الجبهة الاسلامية للمقاومة العراقية» عبد الله الحافظ أن التجمع «رسالة إلى السياسيين والذين تلوثت أيديهم بالدم مع المحتل الاميركي». وغاب عن الاحتفالات الطابع الرسمي فيما غلب عليه الطابع الديني العشائري.
في غضون ذلك، باشر وفد برلماني عراقي مباحثاته مع المسؤولين في محافظة ديالى لمتابعة تداعيات إعلان المحافظة إقليماً مستقلاً إقتصادياً وإدارياً، وعقد لهذه الغاية اجتماعاً مغلقاً مع القيادات الأمنية وشيوخ العشائر فيها.
ونقل الموقع الإلكتروني لفضائية «السومرية» عن مصدر في المحافظة قوله إن «الوفد البرلماني المكوّن من 8 نواب برئاسة رئيس لجنة الأمن والدفاع في المجلس حسن السنيد، وصل عصراً إلى محافظة ديالى (57 كيلومتر شمال بغداد) وبحث فور وصوله مع المسؤولين فيها تداعيات إعلان المحافظة إقليماً مستقلاً اقتصادياً وإدارياً من قبل غالبية أعضاء مجلس المحافظة» قبل 3 أيام. وسبق أن رفضت الحكومة العراقية قرار المحافظة على اعتبار أنه «لم يأتِ في الوقت المناسب». وتُعتبر ديالى ثاني محافظة تعلن نفسها إقليماً مستقلاً إدارياً وإقتصادياً خلال شهرين، بعدما سبقتها الى ذلك محافظة صلاح الدين.
يُذكَر أن الدستور العراقي يسمح لمحافظة أو أكثر التحول الى إقليم مستقل إقتصادياً وإدارياً بناءً على طلب من ثلث أعضاء مجلس المحافظة، غير أنّ الموضوع لا يزال يعتبر بمثابة الممنوعات السياسية في العراق نظراً لما يحمله من حساسيات طائفية وإثنية تتعلق بوحدة العراق أو تقسيمه بعد التجربة الكردية.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)