سوريا | لا تزال الحكومة السورية تبحث عن حلول لأزماتها، مع أن بعض هذه الحلول كان غير مجد حتى أنه خلق أزمات إضافية، ومنها على سبيل المثال محاولات مصرف سوريا المركزي للحفاظ على استقرار الليرة السورية من خلال مزادات لبيع القطع الأجنبي وصلت في نهايتها إلى تخلي المركزي عن هذه الفكرة، فسعر الدولار استمر بالارتفاع أمام الليرة السورية حتى وصل إلى ما يزيد على 60 ليرة مقابل كل دولار. الأمر الآخر كان إيقاف العمل باتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، والتي تبعها توقف الشاحنات السورية المتوجهة الى تركيا والعكس على الحدود بين البلدين، ما عدّه التجار السوريون إضراراً بمصالحهم.
كل ذلك أدى إلى حالة من ارتفاع للأسعار وبداية احتكار للسلع في الأسواق السورية بررها البعض بارتفاع الكلف على التجار نتيجة ارتفاع سعر الدولار.
وزير الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد نضال الشعار (الصورة) لا ينكر وجود بعض المحتكرين للسلع في السوق وأن وزارته لديها قدرات محدودة لمواجهة ذلك، وتم تقديم كل ما يمكن فعله في هذا المجال، مشيراً إلى أن وزارة الاقتصاد والتجارة ليست مبنية على أنها وزارة أزمات.
ويتوقع أن يكون ارتفاع أسعار البضائع التركية مؤقتاً وسيستمر حتى نفاد البضاعة.
ويضيف الشعار حول ارتفاع سعر الدولار «أنا جزء من هذه الوزارة وبالتالي سأساهم في السيطرة على سعر الدولار عندما يكون لي دور، فأنا لست مسؤولاً عن السياسة النقدية إنما المسؤول عنها هو مصرف سوريا المركزي وارتفاع سعر الدولار هو ثمن من أثمان الأزمة». وفي ما يتعلق بالمزادات التي أجريت لبيع القطع الأجنبي، قال وزير الاقتصاد السوري «أنا لا أؤمن بشيء اسمه مزاد على عملة أجنبية لأنه يعني رغبة في خفض العملة المحلية، لذلك أُلغيت هذه المزادات، واليوم سنتكلم عن طرح لعملة أجنبية لا عن مزايدة».
بدوره، يصف مازن حمور، وهو تاجر، ما يجري بالنسبة إلى سعر الصرف بـ«الحركة الارتدادية بين المواطن الشاعر بالأزمة والذي كان رد فعله الاتجاه لشراء الدولار، وبين قرار حاكم مصرف سوريا المركزي القيام بمزادات لم يكن لها من داع». وأضاف «ناشدنا كل مختص بإيقاف المزادات لبيع القطع الأجنبي ولم يسمع لنا صوت، فهي كانت الاستفادة منها عملياً أن يباع الدولار خلال المزاد بسعر (53) ليرتفع السعر في اليوم التالي إلى (56)، مما جعل بعض التجار يستفيدون من هذا الأمر».
وتابع حمور «نحن نقول إنه كان من الأفضل توجيه المبالغ التي أجريت بها المزادات نحو دعم الصادرات، عندها يمكننا الطلب من التجار ألا يقوموا برفع أسعار المواد، أما في ظل ارتفاع الدولار فلا يمكننا في نفس الوقت السيطرة على أسعار المواد، فالتاجر يحتاج إلى أن نعطيه ميزات، ولا سيما ما يتعلق بقوت الناس، حينها يمكن تحديد رأسمال التاجر وسعر الدولار المدعوم حتى يلتزم التاجر بالبيع ضمن السعر المحدد، شرط أن يقدم مقابل ذلك فواتير صحيحة ونظامية بالسعر الطبيعي للسلعة، وهذا يؤدي إلى السيطرة على أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية وننهي التخوف من ارتفاع سعر الدولار الذي كانت نتيجته أيضاً ارتفاع سعر الذهب». وأضاف «سنقوم كغرف تجارة بمنع عمليات الاحتكار، ونحن أولى بتقديم الدعم لكل سوري وألا يتحول التاجر إلى تاجر أزمة ويبقى في إطار الحدود الطبيعية لأسعار البيع والشراء».
يدخل إلى سوريا من تركيا سنوياً بحدود 160 ألف شاحنة، نحو 50 ألفاً إلى سوريا والباقي يتجه نحو دول الخليج العربي أو إلى الدول المجاورة، وتقدر الصادرات من تركيا بـ600 مليون دولار، أما المستوردات فقيمتها بحدود مليار و800 مليون دولار، أي أن تركيا تصدر لسوريا ثلاثة أضعاف ما تستورده منها، ما أثر على الصناعات السورية، ومنها صناعة المفروشات والجلود والحبوب. والتأثير الإضافي أتى بعد إيقاف العمل باتفاقية التجارة الحرة مع تركيا من زيادة في الرسوم، رغم عدم وجود حظر يطبق على تبادل السلع بين الجانبين، مع ذلك هناك زيادة في التكاليف تكون نتيجة ارتفاع الحاجة إلى التأمين حيث ازداد معدل المخاطرة بالنسبة إلى شركات التأمين وارتفعت كذلك رسوم تكاليف النقل.
وعن العلاقة مع تركيا، يرى حمور أن «الأهم ألا نقوم بمعاقبة أنفسنا بمنع وصول الصادرات السورية إلى تركيا وحتى المستوردات، فهي عبارة عن مواد أولية تحتاج إليها الصناعة السورية، ونحن قمنا بالرد على تركيا ووضعنا شروطاً إضافية، لكن ذلك لم يترجم بقطع العلاقات نهائياً مع تركيا، فعلينا مواجهة العقوبات ضمن ردود فعل مماثلة، ولذلك طلبنا من الوزير حل هذا الأمر لأننا نحتاج إلى الكثير من المواد الأولية التي تدخل عن طريق تركيا وسنبقى كتجار متابعين لحركة الحكومة حتى لا تصدر المزيد من القرارات التي تعوق عملنا وحركة صادراتنا وتؤثر سلباً على أسعار السلع الموجودة في سوريا».
وعلى الجانب الآخر، ألّفت وزارة الاقتصاد والتجارة السورية فريقاً وطنياً لدعم الصناعات الوطنية والترويج لها. وبناءً عليه، يقول رئيس غرفة صناعة حلب، فارس شهابي، «سوريا تستطيع أن تتخلى عن الدول الأوروبية في تصدير أي منتج تصنعه لأن السوق الأوروبية، وإن كانت مغرية للبعض، سوق ذات تنافسية عالية وعالية الجودة، ومن يصدر لها يستطيع التصدير لجميع دول العالم، وبالتالي لن يكون توقف التصدير إلى أوروبا ذا نتائج كارثية، فبالنسبة إلى موادنا الأولية نستورد معظمها من دول شرق آسيا وبالتالي سنوجد الحلول ونطلب وجود سوق مشتركة، مع العراق تحديداً».
وبالنسبة إلى السوق الإيرانية، يضيف شهابي «لم نلق تشجيعاً من السوق الإيرانية في السابق إذ كانت هناك عراقيل تتمثل بحماية إيران لصناعاتها، ونأمل أن تترجم فتوى المرشد الأعلى إلى واقع وأن يشتروا المنتجات السورية عالية الجودة والمنافسة في السعر، لأن سوريا قدمت الكثير لإيران ونحتاج كقطاع اقتصادي إلى دعم جدي من الحكومة الإيرانية».